احمد مجذوب
فى ظل الظروف القائمة قد يثور سؤال فى أذهان الكثيرين -وهم محقون فى ذلك- وهو: هل يمكن توفير الموارد المالية اللازمة لتحقيق النهضة الاقتصادية ،ام هو ضرب من الخيال الاكاديمى ؟
ونجيب على ذلك بالاتى :
لا بد لنا أن ندرك أنه بعون الله تعالى وبعزيمة القيادة السياسية والتنفيذية لا يبقى مستحيلا تحت الشمس ،فكم من أمة نهضت باعتمادها على مواردها وحسن ادارتها وحشد الدعم والتأييد السياسى للخطط المطروحة من مواطنيها ، ونحن ندرك أنه إذا تعلقت همة امرئ بالثريا لنالها ، ولم يكن السودان بأضعف حالا أو إرادة من الدول التى تجاوزت تحدياتها وطورت اقتصادها واصلحت مجتمعاتها ، وأثبتت وجودها على النطاقين الاقليمى والعالمى ، وبهذا الاعتقاد ننطلق لتناول موضوعنا.
لا جدال فى أن الموارد المالية هى المفتاح الاساسى لتحقيق النهضة الاقتصادية ، وتوفيرها يحتاج لجهد واسع وشامل ،يشمل الخطط والسياسات المالية الداخلية والجهود المجتمعية والتواصل القوى مع العالم الخارجى دول ومنظمات ، وهذه الخطط والسياسات والجهود لا تقف عند المستوى الحكومى فحسب وانما تمتد للقطاع الخاص ايضا ،على المستويين الداخلى والخارجى .
فالحكومة تحتاج لتبنى خطة عمل داخلية تستهدف حشد الموارد المالية لتنفيذ النهضة ،ومواجهة تحديات الموازنات السنوية المخصصة للانفاق الجارى والتنموى ،على المستوى الحكومى، فى الاجل المتوسط والقصير ،كما تستهدف الخطة القطاع الخاص بتشجيعه للمساهمة فى تمويل خطة الاعمار .عن طريق حزمة سياسات تعزز الثقة بين الحكومة والقطاع الخاص .
وهكذا يصبح اصلاح المالية العامة هو المدخل بزيادة الايرادات وترشيد المصروفات، ورفع كفاءة الانتفاع منها بتقليل الهدر المالى.
ففى جانب الايرادات على الحكومة أن تتبنى برامج وسياسات تحقق زيادتها بتوسيع المظلة الضريبية وادخال مزيد من الممولين فى قائمة الوعاء الضريبي ، وفرض فئات ضريبية واقعية لا تعسف فيها ،بحيث تحقق تسد هذه الاجراءات عجز الموازنة الذى يتزايد عاما بعد عام ،على أن يلتزم بتنفيذ نسبة من هذه الموارد للتنمية.
واول برامج اصلاح الايرادات هو:تقوية نظام المعلومات المالية ليس فيما يلى معاملات الحكومة وانما كل النشاط المالى فى الاقتصاد ،بحيث يختفى الاقتصاد غير المنظم ()Informal sector) ويتحول الى نشاط مرصود ومسجل بما له وما عليه ،حتى تؤتى السياسات أكلها وتحقق اهدافها بتأثيرها على كل النشاط الاقتصادي ، ولا يقف هذا على انشاء وتطبيق النظام التقنى المالى فحسب ،وإنما لابد من تحقيق القناعة لكافة المتعاملين بالالتزام بذلك ترغيبا بتشجيع من يتعاون ،وترهيبا للذين يتمادون فى تجاوز القانون .
ويتحقق ذلك باكمال تسجيل كل المتعاملين فى النشاط المالى والتجارى والخدمى بالشبكة المالية القومية للدولة ،بحيث تكون من مطلوبات ممارسة النشاط .
كما تستلزم هذه الخطة سياسة لتنشيط تحصيل الايرادات الحكومية من كافة الممولين بالفعل الايجابى وترسيخ قناعة أن هذا الالتزام فوق انه التزام دينى وأخلاقي فهو جزء من واجبات المواطنة ، وسياسة الترغيب ينبغى ان تنطلق مما اظهرته هذه الحرب من ولاء للوطن عبر عنه الشعب بالمناصرة المجتمعية لمواجهة العدو الغاشم ، وبلغت قمتها فى المشاركة المباشرة فى حماية الارض وكيان الدولة .وعلى الحكومة ان تخاطب هذا الحس الوطنى وتطور هذه المناصرة المجتمعية الى التزام اخلاقى بان يبادر كل من لم يتاثر بالحرب بدفع الرسوم والضرائب المستحقة عليه ، وهنا ياتى دور الخطة الاعلامية الداعمة الاصلاح المالى .
وتشمل الخطة فرض ضريبة جديدة للاعمار على المقتدرين من كافة المقيمين داخل السودان.والسودانيين بالخارج.
وتقتضى خطة الاصلاح المالى تطبيق سياسة شد الاحزمة على البطون بان تخفض الحكومة الانفاق العام فى المجالات التى ليس لها علاقة بالاعمار ،بحيث ترشد التمثيل الدبلوماسى الخارجى الا بالقدر الضروري وبحسب اهمية كل دولة ، وما ينتظر منها فى هذه المرحلة ، كما عليها أن تخفض السفر الخارجى وتقلل من الالتزامات التى تدفع بالنقد الاجنبى .
كما يشمل ذلك اعادة برمجة سداد الديون الخارجية باتفاقات ثنائية وبما لا يرتب أى التزام خارجى من جراء اعادة البرمجة .
والسياسة التى ينبغى أن تاتى فى اولوية سياسات الاصلاح المالى؛ هى سياسة توسيع دور القطاع الخاص فى إدارة وتقديم بعض الخدمات والانشطة والاعمال بما يخلق فرص جديدة فى التوظيف وبما لا ينشئ التزامات جديدة على الحكومة ، وتجارب الدول كثيرة فى تقليص الجهاز الحكومى ، فشملت اسناد أنشطة حكومية- للقطاع الخاص -تصنف فى دائرة الأمن القومى ، فمثلا اسندت الولايات المتحدة اعمالا أمنية لشركات عالمية وليست امريكية، وعلى الحكومة ان تستخدم كافة صيغ العلاقات التعاقدية مثل: شراكة القطاع الخاص والحكومي (PPP) (BOOT)وسياسة المشغل الخارجى(out sourcing policy)
وتشمل خطة الاصلاح المالى تاسيس صناديق اعمار بالجنيه وبفئات متعددة تمكن كل مواطن من المساهمة فى برامج الاعمار ، توجه حصيلتها لتمويل برامج الاعمار ،على ان تتمتع هذه الصكوك بمرونة تمكن حاملها من استخدامها فى ضمانات التمويل ،كما يمكنها إصدار صكوك مرتبطة بإقامة مشروعات معينة وفق صيغ المقاولة فى التنفيذ والمضاربة فى التمويل (تجربة صكوك صرح بوزارة المالية عام 2006)وهكذا يجد الباحثون عن الربح المحدد لمدخراتهم فى عقد المقاولة ضالتهم .
وتقدم صيغ التمويل بالصكوك مجالا واسعا يتمدد الى مدخرات السودانيين وغيرهم بالداخل والخارج.وقد نجحت كثير من الدول فى طرح صكوك بعملات عالمية(دولار ) حيث حقق اعلان طرح الصكوك فى جمهورية مصر العربية %150،والامثلة كثيرة لم تقف عند دول العالم الثالث وانما حتى الدول المتقدمة.
على أن تصحب هذه السياسات المالية بسياسات نقدية وتمويلية تحقق الاستقرار فى سعر صرف الجنيه حتى لا يكون سببا يحول دون الدخول فى مشروعات تمويل النهضة الاقتصادية.
والى اللقاء فى الحلقة (7) عن مصادر التمويل الخارجى .