يوسف عبدالمنان يكتب … هل البرهان عنصري وجهوي؟؟ … حرب ال دقلو أعادت تشكيل سودان جديد بلا عرمان … حزب جديد مولود في إثيوبيا ومكفول امارتياً يقوده زريبه

1️⃣
لايعرف غالب السودانيين الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان قبل ثورة ديسمبر، وصعوده المفاجئ لقيادة الفترة الانتقالية، بعد هروب عوض ابن عوف، وتوليه يوم كريهة، وهو ينظر إلى الشارع يهتف رافضاً له، واستحال على الفريق صلاح قوش أن يأكل مما صنعت يداه، فتبع عوض ابن عوف، وخرجا من السودان تطاردهم لعنات من صنعوهم من أصنام السياسية، وصعد البرهان برغبة قوي الحرية والتغيير التي لاتعلم شيئاً عن الضابط الذي احتفظ بمكانة خاصة جداً عند الرئيس السابق عمر البشير، ولكنه كان عندها خيار من لاخيار له، وهي تبحث عن من يقود سفينة الفترة الانتقالية، ويضفي عليها حماية من خصومها، ويوفر لها مقاعد مجانية، في سلطة تنوي ركوب صهوتها سنوات وسنوات !!
وجاء الفريق البرهان بشخصيته الغامضة، وصمته الرهيب، وثقته في نفسه، وصبره على الآخرين، وأول اشتراطات البرهان على رفاقه في مجلس قيادة القوات المسلحة أن يأتي بمحمد حمدان دقلو بالقرب منه، عضوا في المجلس السيادي، وكانت تلك رغبة آخرين من المكون المدني، ظناً منهم وحسابات أخرى أن حميدتي سيصبح قوة كابحة لأيي نوايا انقلابية داخل الجيش، و تقيهم شر الإسلاميين بالذات بعد أن باعهم الرجل كما باع صلاح قوش وكان فيه من الزاهدين. واضطربت سفينة الحكم وتلجلجت الفترة الانتقالية وخطط حميدتي والبرهان معاً للإطاحة ببعض قوى الحرية والتغير والاحتفاظ بالبعض الآخر، ونبت الإطاري مقطوع الطاري، حتى اندلعت الحرب قبل عام وبضع أشهر، ومنذ اندلاع الحرب تغيرت المعادلة السياسية والعسكرية، فأصبح البرهان وشركاؤه من قوى الكفاح المسلح، تقع على عاتقهم قيادة الدولة، في ظروف بالغة الدقة، فكيف تصرف البرهان؟؟ ومن هم الرجال الذين من حوله وأهل ثقته، ومشورته، وصناع القرار معه؟ وكيف تصدر القرارات الآن؟ ومن ثمَّ ينشأ السؤال: هل البرهان جهوياً يحتكر الدولة لصالح الإقليم الذي جاء منه؟؟ ام عنصرياً كما يزعم خصومه الجنجويد؟
فتأتي الأجابة، بالنظر إلى تركيبة السلطة الحالية، ورغم ظروف الحرب غير الطبيعية، نجدها الأكثر تمثيلاً لكل السودان مقارنةً بحكومات سلفت، وتعاقبت على حكم البلاد منذ الاستقلال، مدنيةً كانت أم عسكريةً.. إن توازن السلطة الانتقالية الحالية يكشف عن طبيعة البرهان التوافقية، وبعده عن الهوى الجهوي، والأمراض العنصرية، انظر فقط للقيادة العليا للجيش، ووجود أربعة جنرالات من جبال النوبة وكردفان، فيهم نائب القائد العام الفريق شمس الدين كباشي الذي يمكنه الصعود لمنصب القائد العام في حال انصراف البرهان لأسباب طبيعية أو غيرها، وينوب عن الكباشي الفريق ياسر العطا من الشمالية، ومن بعده الفريق إبراهيم جابر من بادية دارفور العربية، ورغم الانتقادات التي توجه للبرهان بسبب احتفاظه بجابر الذي تمردت كل عشيرته ضد الدولة، ولكن البرهان ينظر بعين القائد لا الناشط السياسي، وفي هرم الدولة جاء بالفريق مالك عقار اير ممثلا لا للنيل الأزرق وحدها، بل جميع من كانوا لايدخلون القصر الجمهوري الا وهم عمال نظافة أو حرس بوابات، وظلت الحكومات المتعاقبة – قبل الإنقاذ – تستكثر على النيل الأزرق والوطاويط والانقسنا والبرون والفونج عموما منصب وزير ثروة حيوانية دع عنك منصب الرجل الثاني في الدولة، ولأول مرة منذ استقلال السودان يسند لرجل من غرب السودان الأقصى ونعني دارفور منصب مدير عام جهاز الأمن، ولم يسبقه الا عثمان السيد من الأبيض، وليس ام دافوق وعد الغنم التي صارت عدا الفرسان، مع ان العد للغنم وليس للفرسان الذين مكانهم ساحات النزال، ويعتبر أحمد ابراهيم مفضل بعيدا عن تأهيله الشخصي و كفاءته وقدراته اول قيادي من أبناء دارفور يجعله الحاكم العام على أمن البلاد حفيظاً، وجاء البرهان بالفريق محمد الغالي في أخطر منصب بالقصر الرئاسي أمينا عاما للمجلس، وهو من أبناء دارفور، وليس من دار مالي أو حجر الطير، وكل مال السودان وخزائنه وضعها البرهان أمانةً عند شخصيتين د. جبريل إبراهيم في المالية، ومحمد بشير ابو نمو في المعادن، وكلاهما من دارفور، فماذا تبقى لأهل الشمال والوسط من السلطة؟ نعم قد اثبت مفضل اخلاصه، وجبريل بمبادرته وجهده صنع العاصمة البديلة بورتسودان في زمن قياسي من تحت رماد الحرب، والفريق الغالي هو من أسس سلطة السيادي ووضع أساس البناء الحالي، بعد ماحدث للقصر الجمهوري، وابونمو وعقار وجبريل من يقاتلون اليوم في ساحات الوغى، فلم يخذلوا فراسة البرهان ولم يخذلوا وطنهم السودان.
إذا كان اليوم هناك مظلومين ومهمشين في الأرض بالطبع هم سكان الجزيرة والشرق الذي لايزال تعيين ممثلا له في المجلس السيادي متعثراً ولايزال التوم هجو حاملاً سلاحه في ميادين القتال، واستكثرت عليه الحكومة منصب والي سنار.
ولعله بات واضحاً أن البرهان للأمانة والتاريخ، غسل يديه من أي تحيزات عرقية أو جهويه، ولا وجود لأي من أسرته وعشيرته في الدولة، وحتى شقيقه عبدالوهاب وهو مؤهل ظل موظفا عاديا بعيداً عن المناصب بعيداً عن الأضواء، وحتى مدير مكتبه برغم خصوصية الوظيفة لاينتمي لعشيرته، إنما هو من قبيلة الحوازمة في جبال النوبة. ولكن المليشيا التي تعرف تماماً من هم الرجال حول البرهان، أكثر من معرفتها لنفسها تأبى الا استخدام فزاعة العنصرية، والجهوية، وهي أسلحة صدئة لا تصمد في وجه حقائق الأرض.

2️⃣
الحرب كلها مساوئ وموت وجراح، وانين ونزوح وتشرد، ومن يعش في مناطق النزاع، وقعقعة السلاح فوق رأسه، يعلم أكثر من غيره عن أهوال الحرب، وأنت جالس في بيتك وتسمع انفصال الدانة وهي مقبلة عليك أين تسقط ومن تقتل من أهل بيتك ام جيرانك ام عشيرتك الاقربين والحرب التي شردت نصف سكان السودان، وهدمت عرش دولة ومدن بكاملها، شُيدت بالكد والجهد والسهر والاغتراب المر، فأحالها الجنجويد في ساعات إلى خراب فأضحت أطلالاً، ورغم كل هذا فإن كان للحرب وجه آخر مشرقٌ في عتمة الظلام الحالي، فإنها قد أعادت تشكيل سودان جديد، هو الآن في مرحلة مخاض، والسودان الجديد غير سودان ياسر عرمان الذي بسببه إنفصل الجنوب قسراً، وإنما يتشكل السودان الجديد الآن بسواعد وعرق ودماء قوات الكفاح المسلح والقوات المسلحة، التي تمثل جماع هذه الأمة وشباب المجاهدين من أبناء السودان الذين هبوا للدفاع عن وطنٍ كادت مليشيات عرب الشتات أن تجعله وطناً لمن لا وطن لهم !!
الحرب الحالية هدمت جدار عدم الثقة بين أهل السودان النيلي والسودان الغربي، ووحدت مشاعر غالبية أهل هذا البلد، ولأول مرة في تاريخ السودان يتشكل حلف طوعي ليس من صنع ثلة من أصدقاء أو أشقاء، أو طائفية، كما نشأت بعض الأحزاب التاريخية، ولكنه تضامن وتضافر وتعاضد حقيقي افرزته الحرب، فجمعت القبائل الأفريقية المسلمة الزنجية في دارفور مثل الزغاوة والمساليت والفور والتنجر والبرقد والبرتي، بالدناقله في حفير مشو والشايقية في القرير، والجعليين في شندي، والهدندوة في سنكات، والبنى عامر في كسلا، والحلاويين في الجزيرة، والشنخاب والاحامده ببحر ابيض، والنوبة في طروجي، وحمر في النهود ودردوق، والبديرية في ام رماد، وفلاته في انقديتي، ودار حامد في ام سعدون وام قرفه، والجوامعه في الرهد، والكواهلة في ام بادر، وكنانه في حجير الدوم، وأولاد حميد في ابوجبيهة، ولم يتبق الا قليل من عرب العطاوة ممن سرق التمرد اسمهم، ونهب سمعتهم، وارتكب جنايات كبيرة في حق غيرهم، باسم العطاوة وعرب جهينة، وحتى هؤلاء الان بدأت أفواجهم تلتحق بركب الأغلبية، وقد تقدم المسيرية في رفضهم للتمرد، فقاتل أبناء المسيرية أبناء جلدتهم في بابنوسة، والان يستعدون لخوض معركة تحرير أرضهم، وجاء الرزيقات رافضين التمرد، ثم الحوازمة يبايعون الجيش في كادقلي وبورتسودان، والبنى هلبة ينفضون أياديهم من التمرد، فماذا تبقى غير اللصوص والنهابة وقطاع الطرق ..
إن الحلف العريض العفوي الحقيقي غير المتصنع والذي تشكل الان، تسعى جهات عديدة لضرب وحدته، من خلال ماهو مطروح الان من مبادرات هي مؤآمرات دولية ونشاط داخلي لتمزيق وحدة هذا النسيج، الذي لايزال هشاً، ويفتقر للخطاب السياسي الوجداني الذكي، الذي يجعله منه حلفاً وطنياً عريضاً معبراً عن أغلبية شعب السودان وتلك هي نقطة ضعف القوات المسلحة التي لاتريد للأحزاب أن تلعب دورا فيها وفي ذات الوقت هي غير قادرة على طرح خطاب سياسي يحقق هذا الهدف السامي لأنها غير معنية بطرح الخطاب السياسي، ولكن ينبغي لها أن تعي ضرورة أن تتحول تشابكات الأيادي الحالية بين قوات الكفاح المسلح والقوات المسلحة إلى إطار تحالف سياسي عريض، داعم لوحدة اهل السودان، وفي الوقت نفسه ترياقاً ضد خطاب الكراهية، والطرح العنصري للمليشيا، وضد الانخراط في المشروعات الخارجية، كحال قحت سابقاً وتقدم
3️⃣
جاء في الاخبار أن العاصمة الإثيوبية أديس أبابا تشهد مخاض ميلاد حزب سياسي جديد، حددت له قاعة فندق رديسون بلو صباح اليوم لإطلاق صرخته الأولى، وتعددت أسماء الحزب حسب ماجاء من أخبار، ولكن من السابق لأوانه الحديث عن اسم المولود الجديد، الذي تشترك في عملية إخراجه من رحم أمه الدعم السريع، عدت دايات أو قابلات، منهن دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لاتعترف لشعبها بحق التحزب، ولكنها ترعى أحزاب السودان وتغدق عليها المن والسلوي، وتشاركها في تغذية المولود بانابيب النفط، المملكة العربية السعودية، وربما تمد للجنين أيادي ليبية حفترية أو جنوب سودانية، ومع تعدد كثرت الدايات في غياب الأطباء أخشى أن تكسر الأيادي( رقبة الصغير).
ومن الشخصيات التي أعلن عن وقوفها على قيادة الحزب الجديد، هارون مدخير الرجل الذي كان المساعد الأول للشيخ موسى هلال قبل أن يشتريه حميدتي الذي على يده ذاق مر الهوان، وهو يحمله من مستريحة إلى المعتقل في الخرطوم، ولاتزال صورته تلك بحالته المذرية شاخصةً في مخيلة الكثيرين، والشخص الآخر الذي ورد اسمه ضمن المؤسسين أو قادة الحزب الجديد إبراهيم زريبة، أحد قادة الملشيات، وكان يتزعم فصيل يُدعي ام باغه (الباغة هي جركانة البلاستيك الفارغة).
ويقولون عن أنفسهم نحن ام باغة لا جنسية ولا شهادة !! وفي زماننا هذا يصبح زريبة زعيماً لحزب، وقد تحور من زعيم عصابة إلى زعيم حزب، والسودان هو بلد الغرائب والعجائب !! وكما قال شاعر مؤتمر الخريجين على نور،
كل امرءٍ في السودان يحتل غير مكانه، المال عند بخيله والسيف عند جبانه.
ولا عجب أن أُستبدلت دار المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي في الخرطوم التي كان يرتادها راشد الغنوشي وعلى بلحاج ونايف حواتمه وعبدالله الأحمر ووديع حداد أن تصبح دارا للعطاوة يشرف عليها جمعة دقلو وحسب الله دقاش ومحمد مختار والباشا طبيق، فلا عجباً أن أصبح هارون مدخير مكان أحمد خير المحامي، وإبراهيم زريبة بدلاً عن على الحاج، وموسى ام بيلو مكان صلاح أحمد ابراهيم (اخو فاطنه) فنحن في عصر اختلت فيه الأشياء وحتى يقول الحزب الذي ربما يرضع من ثدي ام قرون أو من لبن نيدو المسروق من بقالة عمك سعيد بنمرة اثنين، ويجلس على كراسي شفشفوها من محلات ابو الفاضل للاثاث.
ومهلاً .. فإن الساعات القادمة ستكشف من هو مولود مدخير وزريبة وبقية اللصوص..
✒️ يوسف عبدالمنان.
22أغسطس 2024م

Exit mobile version