فضل الله رابح
حتى وقت كتابة هذه السطور الشعب السوداني يقف مذهولا من مكابرة قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية والحركات المسلحة الذين صنعوا الاتفاق الإطاري سبب إشعال الحريق في السودان وهم ما يزالون يطوفون العواصم كعادتهم مرتهنين للخارج ويستقوون بالأجنبي في كل شأن يتعلق بوطنهم، تهوى قلوبهم نصائح وأجندة الخارج في كل شيء يتعلق بالسودان وترفض كل ما له علاقة بالوطن ومبادراته الداخلية وان كانت صادقة، يتخوفون من مواجهة الشعب السوداني الذي تأذى من أفعالهم وما يزالون يبحثون عن السلطة عبر نوافذ الإطاري المهشمة، لماذا هؤلاء الذين يهددون ويتوعدون كل رافض للإطاري، لا تشكل لهم سلطة الأمر الواقع لجانا للتحقيق والمحاسبة الوطنية وأن تتم محاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى وتعاملاتهم ومؤامراتهم مع الأجنبي ضد بلادهم، وأن تكون التهمة التي يمكن أن يحاكموا ببيناتها تصل عقوبتها حد الإعدام حتى لا يأتي من بعدهم خلف ينتهجون نهجهم ويضيعون ما تبقي من وطن، مثير جدا نشاط هؤلاء الإطاريون في العواصم الأفريقية وآخرها أديس أبابا وهم يطوفون عواصم العالم وليس بوسعهم الطواف داخل السودان ومواجهة شعبهم بالحقيقة المرة ولا يستطيع أحدهم أن يصحو من نومه ويجد نفسه وسط بورتسودان أو نيالا أو دنقلا على الأهمية الكبرى لهذه المدن المحاطة بالسودانيين، لكن الإطاريون لن يذهبوا إليها لأن أهل تلك الديار سيواجهونهم بالحقيقة وأسئلة الراهن المفتوحة التي لا يستطيعون الإجابة عليها، الإطاريون يتهربون من كل الأزمات التي صنعوها التي تطفو على السطح حاليا لأنهم مقتنعون من عدم قيمتها السياسية، بل يحاولون إغراء ضعاف النفوس إلى الالتحاق بقطارهم المعطوب مثلما يفعل قادة العدل والمساواة الملتحقين بالإطاري الذين يتصارعون على مغانم الإمارات التي وعدتهم بها لكن دكتور جبريل إبراهيم قد قطع الطريق بينهم والعدل والمساواة كحركة وعزلهم عن دوائر التأثير والفعل، يتصارع السودانيون حول جثة وطنهم في حين الغرب وعلي راسه الأميركيون يضعون نصب أعينهم عليه وعلي موارده، تحسبا التوغل الصيني، ودرءا للوجود الروسي والايراني، التركي لتكتمل من حول السودان دائرة حروب الوكالة التي بدأت في العديد من دول العرب والافارقة التي يبدو داخلها الصراع سياسيا داخلي لكنه في الأصل صراع أقطاب ومحاور دولية… وفي ظل هذه الظروف المعقدة وهذا الوضع الغامض سينعقد في الفترة القريبة القادمة مؤتمر مهم يستضيفه شرق السودان بحسب مصادر ويضم كل الكتل والجبهات والقوى السياسية الوطنية مثل الكتلة الديمقراطية، الجبهة الوطنية لحل الأزمة السودانية وكلاهما يضمان قوى سياسية كبيرة مثل الاتحادي الديمقراطي والاتحادي الديمقراطي الأصل وحزب الأمة جناح مبارك الفاضل وتجمع سودان العدالة (تسع) بقيادة بحر أبو قردة وحركة التحرير والعدالة برئاسة دكتور التجاني سيسي والجبهة الثورية برئاسة محمد سيد أحمد الحكومي ومبارك الدول وعلي عسكوري وقائمة كبيرة من القوى السياسية الوطنية تنادت بأن يكون التداعي سوداني سوداني وبحسب معلومات أن الرؤى الموحدة لكل هذه المكونات هي دعم وإسناد الجيش وابتدرا حوار سوداني ينتهي إلى تسوية واتفاق سياسي يجنب البلاد مصير كثير من الدول التي انهارت بسبب الأزمات الداخلية وصراع النفوذ الإقليمي والدولي، اتفاق يقود إلى تكوين حكومة مستقلة تدير ما تبقي من الفترة الانتقالية وتعد المسرح وتجهزه للانتخابات المقبلة، لذا قدر لهذا المؤتمر الانعقاد سيكون أكبر جبهة وطنية وتجمع للسودانيين ولن يكون خارجه إلا (ق. ح. ت) المركزي صناع الإطاري، وهذا المؤتمر سيرفض أي وصايا دولية أو مؤتمرات خارجية تكون مدخلا للتكالب الدولي على السودان ومعروف أي محور بآلياته وأدواته كما نتابع في صراع الدول العربية والأفريقية من حولنا، ونحن نشاهد فجأة يطفو على السطح الأهمية الكبرى للدول الأفريقية مثل (النيجر) المحاطة باليابس من جميع الاتجاهات وأن تطفو على السطح قيمتها الجيوسياسية حيث يتصارع عليها الأوروبيون ممثلين في فرنسا والأمريكان يراقبون والروس في قلب الحدث، وبالعودة إلى مؤتمر شرق السودان متوقع يرفض أي قوى منحازة إلى التمرد ولا يتبنى أي تسويات سياسية خارج عملية الحسم العسكري، وهذا التوقع الأخير يمثل ركيزة استراتيجية للجيش وغالبية مفاعلاته الشعبية والمدنية المنحازة له، ما يدور في السودان في واقع الأمر لا يؤثر فقط على السودان، وإنما يتقاطع مع كثير من دول الجوار السوداني التي تتأثر به لذلك سارعت هي بوضع رؤية للخروج من الأزمة، وهنا يحتاج الأمر إلى إلقاء الضوء بشكل مركز ومكثف على ضرورة مبادرة دول الجوار السوداني التي انطلقت من القاهرة وأهمية تكاملها مع رؤية أهل السودان والحل الداخلي خاصة بعد تنازل بعض دول الجوار مثل (أثيوبيا) عن مواقفها المعادية للسودان والتوقيع علي توصيات البيان الختامي ورؤية مبادرة دول الجوار التي اعتمدت ما يحدث بالسودان شأن داخلي ورفضت كافة أنواع التدخل الدولي في الشأن السوداني
، ولعل الذين طالعوا استراتيجية الأمن القومي السوداني وجواره، يدركون تراتبية الأخطار التي تواجه دول الجوار السوداني جراء استمرار الصراع المسلح، فعلى الرغم من أن مليشيا الدعم السريع اليوم هي من يقود المعارك العسكرية في مواجهة الجيش السوداني، فإن الخوف الأكبر، والمهدد الأخطر لدول الجوار السوداني هي أن تتحالف المليشيا مع المعارضين وبعض المكونات الاجتماعية والدينية الصغيرة المتواجدة بدول الجوار السوداني وهذا يشكل خطرا علي كل حكومات الدول المجاورة للسودان، والخطر الأكبر والملحق بهذه الأزمة وهو الصراع الأمريكي الصيني الروسي وهو صراع ربما غير منظور في الحالة السودانية لكنه واضح في بقية الدول الافريقية، وأنه إذا كانت واشنطن تخشى مرة من تواجد قوات «فاغنر» في القلب من أفريقيا، ودعم ومساندة الأنظمة التي تراها من وجهة نظرها مارقة عن الديمقراطية، وخارجة عن أطر حقوق الإنسان، إلا أن قلقها الأشد يتأتى من جانب الصين عبر طريقين ،الأول يتمثل في الاختراق الناعم الذي تقوم به في قلب دول القارة السمراء، عبر الأموال الساخنة، وتعد واشنطن أن بكين بذلك تدخل الأفارقة في دوامة من الديون التي تكبل القرار السيادي، وتجعل من بلدانهم مطايا لرغباتها الماورائية والثاني هو الانتقال من مرحلة التوسع والتمدد الاقتصادي، إلى بناء نقاط الارتكاز العسكري، والتي يمكن أن تتمثل في القواعد عند مواني دول الساحل الأفريقي بشكل خاص، وقد تتزيا أول الأمر بشكل مدني، لن يلبث أن يخدم أهدافا عسكرية، وهو ديدن القوى الإمبراطورية كافة في نشأتها، ولذلك لا يمكن احتقار ما يدور في السودان ولا يمكن التقليل منه فهو يبدو صراعا داخليا لكنه إذا لم يحسم عسكريا وأن تعود للدولة المركزية استقرارها ومن ثم النظر في النظام اللامركزي وتطبيقه باحترافية يظل ما يحدث الآن مدخل لفشل قادم لكل المنطقة وليس السودان وحده، وربما يكون مؤتمر شرق السودان آخر طلقة تخرج من ماسورة البندقية الوطنية إما أن نحسن التنسين والتصويب نحو الهدف مباشرة ويرتاح الوطن أو تخرج الرماية (فشنك) ونرتهن للخارج وننتظر الحلول من خارج الحدود…