علم الدين عمر يكتب … رئيس الوزراء .. وللكتابة صيدها..
.. من كرامات الكتابة الحية أن مدادها يعود علي صحائفك فوراً بالسمك (الكبار) .. وعلي الرغم من تجدد الأحداث وعواصف القضايا في الساحة السودانية كل يوم وكل ساعة بفعل الحرب وتداخل الدوائر وفقدان البوصلة السياسية إلا أن إرتفاع الحاجب في مساحته السابقة حول تكليف رئيس الوزراء ومطلوبات التكليف قد أستفز إثنين من المرشحين الأكثر تداولاً في الأوساط فتواصلا معي وتناقشنا حول الأهداف الثلاثة التي طرحت كبرنامج للوزارة القادمة علي أساس مستقل يقود الإنتقال القادم علي أنقاض الحرب بمنطق المصلحة المجردة للدولة السودانية ..وقد حازت جزئية العلاقات الخارجية المتوازنة الواضحة علي النصيب الأكبر والأكثر تفصيلاً من النقاش لكونها المؤسس الرئيس لبرنامج إستعادة مسار الدولة السودانية ..وقد حاول الرجلان (ولا أشك في فطنة القارئ علي معرفتهما) أن يستبعدا فكرة الإستقطاب الدعائي لترشيحهما معللين الحملات القائمة بين يدي ذلك بخلو الساحة من البرامج وبحثها عن شخصيات ملهمة تستطيع خلق نوع من الحراك في أوساط النخب والمجتمعات للحوار فقلت للدكتور الخبير المرشح الأول تقصد نوع من التفويض المطلق مثل الذي منح للدكتور عبدالله حمدوك الذي أضاع الفرصة بتردده وقلة خبرته أو إنخداعه ببروق الخارج الكذوب ..فضحك الرجل حتي أهتز هاتفي وقال لي المشكلة أنكم تراقبون بصرامة أكثر من اللازم ولا تمررون أي خطأ أو محاولة إلتفاف علي الهدف ..تلك كانت من ردود أفعال الكتابة بمداد الوطن أما ما بين سطورها فتمضي لأن المسؤولية المطروحة علي عاتق السلطة القادمة في السودان هي شيئ من مستحيل تسوقه الأماني ولابد له من برنامج واضح ومباشر وقصير وملهم معتدل لإلهام فقد مضي زمان الأنبياء ..
الساحة السودانية تحتاج لشخصية مستقلة إستقلالاً تاماً عن المخيط والمحيط من البرامج والخطط والكتل والتيارات السياسية والعسكرية والإجتماعية ..شخصية لا تخشي القرارات الكبيرة ولا تتردد في المواقف العصيبة لأنها لن تخسر سوي الأغلال ..لابد من تكليف رئيس وزارة يتلبس السودان حالة ومكانة ويتلبسها السودان جوهراً ومظهراً تناقشت مع الرجلين حول برنامج الوزارة القادمة بمساراته الثلاثة التي ذكرتها في المقال السابق المتمثلة في خلق برنامج تنفيذي قصير ورشيق ومتفق عليه لدعم القوات المسلحة لإنهاء التمرد وقيادة الجناح المدني للدولة والإمساك بزمام المبادرة المدنية والتأسيس لعلاقات خارجية واضحة ومتوازنة تحترم إرث الدولة السودانية المشرق وخطها التاريخي ومصالحها المباشرة وإستعادة هوية الخارجية السودانية وتوحيد
الخطاب والخط السياسي والإعلامي وتقوية مراكز إسناد القرار وأخيراً المضي نحو تدابير المؤتمر الدستوري الجامع وجمع كل المبادرات الداخلية والخارجية المطروحة وصياغتها في البرنامج الوطني الشامل وحشد الدعم التخطيطي له وتجميع الخبراء السودانيين في كافة المحافل والمجالات وتحديد نقاط القوة والضعف للتجارب السابقة في الإنتقال ..
تناقشت مع الرجلين وخرجت بنتيجة مفادها أن السودانيين متفقين من حيث المبدأ علي الملامح العامة ..متفقين كأفراد مهما كثرت التقاطعات بينهم ولكنهم يختلفون ما أن يتكتلوا أو يتحولوا لأحزاب وجماعات ..
البرنامج الوطني السوداني واحد يحدثك عنه الجميع ..ويتبناه الكل ..ويتوقون له ولا مانع لديهم من دعمه ..بيد أن أحزابهم وجماعاتهم وحركاتهم ومجتمعاهم وقطعانهم فاشلة في التوافق الشكلي علي كل شيئ ..ولو كنت أمير المؤمنين لأتخذت قراراً بحل الأحزاب السياسية والجماعات الدينية والكتل المجتمعية وفتحت باب التسجيل البرامجي لها لإعادة تشكيل النادي الوطني السوداني ..
تناقشت مع الرجلين الأكثر قرباً من التكليف في قادم الأيام بتشكيل الحكومة فوجدت أن منطلقاتهما ومرجعياتهما متطابقة ..كشأن كل السودانيين ..ويمكن التأسيس علي موقفيهما لإستقطاب كل الفاعلين لتوحيد أكبر جبهة مستقلين سودانية تقود بلادنا للتأسيس الفعلي لمرحلة ما بعد الحرب.
أحدثكم غداً بإذن الله عن مؤتمر القوي المدنية بالقاهرة ..تقاطعاته وتدابيره وخطه ومخرجاته وأهميته وتوقيته.