تبدو الدكتور أميرة الفاضل في حجم النشاط الهائل والقدرات المخبوءة والعلاقات العابرة للحدود التي تتمتع بها أكبر من أن يحتويها كيان سياسي، فهى، منذ أن نثرت الإنقاذ كنانتها وعجمت عيدانها ودفعت بها إلى رواق العمل الحكومي، لم تضطر، على الإطلاق، أن تعيدها إلى الصفوف الخلفية، إذ أنها، كانت، طوال سنوات تسنمها مقود الوزارة وكثير من الملفات المهمة، تتفانى في عملها، وتمضي بخطى واثقة، حتى فازت، بعيد ذلك، في أكثر من دورة بمقعد مفوض الشؤون الاجتماعية بالاتحاد الإفريقي، عن جدارة واستحقاق، حد أن رئيس الاتحاد الأفريقي موسى فكي وصفها في حفل التكريم على شرف وداعها بـ(القائدة العظيمة).
بصورة مفاجئة، وفي توقيت قاتل، نجحت أميرة في احراز هدف، هو الأغلى، في مسيرة المؤتمر الوطني، أعادته لأجواء المنافسة عقب حفلات شيطنة استمرت لسنوات، وذلك بعد أن أثمرت تلك الجهود الدبلوماسية التي قادتها خارجياً، في انتزاع فرصة جديدة، لهذا الحزب، الذي دُمغ بأشنع الأوصاف قِبل خصومه، سمه البائد وإن شئت المحظور، أو تلك الجملة المُعتادة، عدا المؤتمر الوطني، لكنه اليوم بلا (عدائية) تأهل إلى مرحلة جديدة تنشد الديمقراطية والتنافس الحر، إلا من سبق عليه القول من عضويته، كما أوحى ظهوره الجديد، مع الاحتفاظ بكامل أحقيته في الصعود إلى الانتخابات عندما يحين وقتها، ونشدان التغيير والاصطفاف الوطني، والقتال إلى جانب القوات المسلحة السودانية، في معركة الكرامة، وقد تم تأكيد ذلك في اللقاء الذي جمع لجنة الاتحاد الأفريقيرفيعة المستوى بوفد المؤتمر الوطني، مع تأكيده، أي ذلك الحزب الذي اختفى طويلاً، في الظاهر على الأقل، على تأييد اعلان المبادئ الذي تم التوقيع عليه في جدة بوساطة أمريكية سعودية، دون أن يعيق ذلك واجب الانخراط في المقاومة الشعبية، والعمل مع الجميع بلا إقصاء أو مرارات، مع الاقرار بضرورة تجديد الأفكار والقيادات، كان ذلك ما أسفر عنه لقاء اللجنة الأفريقية والمؤتمر الوطني، مما تسرب من معلومات، ومن تفاصيل الصورة التي برزت في ذلك اللقاء المفاجئ، ودلالة المكان، أي مصر التي تخطب ودها كافة الأطراف السياسية، هذه الأيام، وحفاوة رئيس الوفد محمد بن شمباز بوفد الوطني، كما لو أنه جاء ليصطاد فاراً فاصطاد فيلاً، على حد تعبير الإمام الراحل، وهذا الصيد يعني فك احتكار العملية السياسية، وأوبة الأفارقة للبحث عن حلول واجتراحات جريئة للأزمة السودانية.
عموماً، تلك لقطة واحدة من ألبوم نشاط أميرة الفاضل، المعلن والخفي منه، فهى إشارة فقط لبدء تحركات الوطني في شكله الجديد، بينما تتحرك السفيرة في عدة جبهات، وأكثرها فاعلية بالطبع، مبادرة إسناد السودانيين المتأثرين بالحرب، والتي تحتشد صفحاتها بمشروعات طموحة، دون أن تكتفي فقط بتزويد آلاف الأسر بمساعدات غذائية على رأس كل شهر، ودعم مئات مرضى غسل وزراعة الكلى، والسرطان، وتدريب الشباب في مجالات مختلفة، والسعي لتوفير فرص التعليم أيضاً لمئات الطلاب، وكل ذلك بهدف توفير الدعم اللازم ومساعدة السودانيين المتأثرين بالحرب في مصر، عن طريق إشراك الكيانات والمنظمات الدولية في هذه البرامج، ليس ذلك فقط، ولكن تسعى المبادرة، وفقاً لرؤيتها الشاملة، للعمل في ملفات اقتصادية، هى من مطلوبات المرحلة، خصوصاً تحريك مشروعات التنمية، واعمار ما دمرته الحرب، بالتنسيق بين الحكومة السودانية والدول الخارجية الفاعلة، وربما يكون لمصر الدور الأبرز في ذلك.
يبدو أن عمليات الاغتيال وحفلات الشواء الإعلامي وتصفية الحسابات أجبرت كثير من السياسيين على التخفي والرحيل بعيداً، لكن أميرة لم تتراجع، بل هى اليوم تتقدم الصفوف، وتعتلي ظهر أكثر من جواد في وقت واحد، بل تمد أياديها بيضاء للعمل مع الجميع وفقاً لشخصيتها المُنفتحة، وذلك ما يميزها، فهى تحتفظ بخطوط وعلاقات متعددة، أحيانًا عابرة للحدود والأيديولوجيا، سيما وأنها بعد 5 سنوات بذلتها كمفوض للشؤون الاجتماعية في الاتحاد الأفريقي خلًفت إرثًا استثنائيًا في المجالات ذات الأولوية مثل الصحة العامة والتنقل والعمل والرياضة والثقافة، ونقشت اسمها بأحرف من نور على جدارية المنظومة الأفريقية، ويمكن أن تجدها غارقه في ملفات خارجية تجيد التعامل معها، أو مشغولة بقضايا النساء قاطبة، أو تجدها أيضًا منهمكة في الأعمال المنزلية، أو تعمل مع تنسيقية المقاومة الشعبية، بقصد تشجيع الحوار السوداني السوداني، لغلق الباب نهائياً في وجه المطامع والتدخلات الخارجية، غير الحميدة بطبيعة الحال، وضمان العودة للشعب السوداني، صاحب الكلمة الأخيرة والتفويض الحاسم في أي نزاع حول الشرعية، فهل ستكتفي السفيرة أميرة الفاضل بإعادة المؤتمر الوطني مرة أخرى إلى واجهة الأضواء والفاعلية السياسية، أم أنها تسعى إلى هدف أخر أكبر من التوقيع على دفتر الحضور، وربما يتجاوز المؤتمر الوطني الى الوطن الكبير.