يوسف عبدالمنان يكتب …. الدعم السريع من نهب المصارف والشركات إلى الماعز والحمير!

📌 د.جبريل إبراهيم
*إذا احتربت يوماً وسالت دماؤها..*
*تذكرت القربى وفاضت دموعها.*
📌 *هل أعادت حرب دقلو هندسة المجتمع السوداني؟؟*

.

              1️⃣
أحداث كبيرة في قرى صغيرة نائية، لاتجد حظها من الضوء الإعلامي، ولا القراءة التي تستحق، في غمرة غبار المعارك وسيل الدماء، في بلد لم يجف جرحها عن النزف منذ أن غادرها المستعمر المغتصب، بوجوده الحسي، وتركها في ظلمات وجوده المعنوي والتآمري.
لقد تبدي عجزنا كاعلام في حرب السودان الحالية، وقد هجر الأرض الآلاف من ممتهني هذه المهنة، منهم من لفظته الحرب إلى ماوراء البحار، ومنهم من شردته إلى الأقاليم التي يظن انها آمنه، وبمنآي عن لعلعة الرصاص، وسقوط الدانات، ومنهم من أقعدته ظروفه وحالت دون خروجه، حتى من مناطق يسيطر عليها الملشيات، ومنهم من لاذ بحمى القوات المسلحة، وجميعهم اقعدتهم طبيعة الحرب عن واجبهم في التنوير ونقل الأخبار، ولكن ماعادت الأخبار هي الأخبار !! فالموت بالمئات في كل صباح، والنهب والسلب، وقطع الطرق، وخطاب الكراهية العرقية والاثنية.
وإذا كانت قوات الدعم السريع قد بثت أدبيات جديدة في الخطاب الإعلامي فإنها استباحت ماكان محرماً عند أهل السودان، وأتت بما كان مستهجناً حتى في ممارسة النهب والسرقة، التي ارتبطت بها قوات الدعم السريع وأصبحت من شيمها وسلوكها المشين. ونهضت أسواقٌ للمال الحرام، والمتاع المنهوب، وأطلق عليها أسواق (دقلو) ربما تكريماً وتعظيماً لجد صانع التمرد حميدتي، في نظر وأعتقاد وثقافة اللصوص والنهابين. وإذا كانت قوات الدعم السريع قد بدأت عملياتها في الخامس عشر من أبريل العام الماضي بنهب المصانع والمحلات التجارية بالخرطوم، وبحري وأم درمان، ونهب محلات الذهب والسيارات الفارهة، ثم اتجهت بعد ذلك لبيوت المواطنين لتسرق الثلاجات والملابس والشاشات والاواني المنزلية، وحملت أمتعة المواطنيين في سياراتهم واتجهت غرباً نحو كردفان ودارفور. والآن وبعد مرور عام ونصف العام، نقرأ معاً كيف تطورت عمليات النهب والسلب أو انحدرت، اختار أيها القارئ ماتعتقد بأنه تطورٌ أو انحدارٌ إلى الدرك الأسفل.
القصة الأولى حدثت الأسبوع الماضي في قرية شمال الدلنج منطقة السنجكاية، حيث تسيطر قوات الدعم السريع عليها، وعند مغيب الشمس هجمت عربة لاندكروزر مقاتلة، عليها مدفع دوشكا، وأشاوس غلاظ الأكباد، أشهروا أسلحتهم في وجه سكان القرية الصغيرة، وأطلقوا النيران بكثافة من البنادق الآلية، وجلس الرجال على الأرض واحتمت النساء ببيوت من القش ظننَّ أنه يحميهنَّ من الرصاص، ولكن اشاوس الدعم السريع كان هدفهم آخر، هجموا على زريبة الماعز وحملوا منه نحو عشرين عنزة، وتركو (السخيلات) الصغار، وغادرت العربة القرية، والاشاوش ربما قيل لهم أن هذا الماعز من دولة 56، أو أن أصحابه من كبار قادة وفلول النظام البائد. ووصلت العربة إلى رئاسة الدعم السريع ظافرة منتصرة بالغنائم!!
وأمس الأول في ذات محلية القوز وقعت ثلاثة أحداث نهب، من قبل الدعم السريع، الذي وحده يملك السلاح، أولها سرقوا أبقار من الفينقر لصاحبها عمر احمد عمر، الشهير بعمر جندي، وهو من أسرة كبيرة لها افضال على الناس والمجتمع، وعمر نفسه جريح يتعافى من اعتداء قوات الدعم السريع عليه. وفوق ما ذكرنا من نهب ماعز الشنبلي والأبقار، تطور سطو الدعم السريع إلى سرقة عدد خمسة حمير يملكها مواطن يتكسب بها، لن نكتب اسمه خوفا عليه من الاعتداء. ونهبوا الحمير في رابعة النهار واخذها الاشاوس غنميةً أو فئ، كما يروج لهم بعض فقهاء اللصوص، وقادة الإدارة الأهلية، التي غرقت في مال السحت المنهوب، حتى فقدت البصر والبصيرة، والوجدان السليم.

                2️⃣

لقد ارتبطت الهمبته، والسرقة، في المجتمع بقيم راسخة، وأخلاق جسدتها أدبيات وتراث النهابة او النهاضين أو الحرامية في مناطق البدو والرحل، وكان الهمباتي رجلاً مهاباً لايمد يده للدنئية فيأخذ المعزة والحمار !!، كما يفعل اشاوس الدعم السريع. والنهب عند عتاة النهاضين له تقاليد واعراف وقيم، حتى وإن كانت السرقة هي السرقة، الا ان أدب الهمبته وثقه البعض شعراً، كقول محمد وددقلش حينما طلب منه الإقلاع عن الهمبته واحتراف مهنة الزراعة فقال:
*مادام ام قجه وارده وسادره بالمرحال..*
*شنو الجابرني على حش الملوده الحار..*
*إبل البعشي مِريتُو قبل الجار ..*
*نوديهم دورين غرب سنار ..*
انظر إلى هذه القيم التي لايعرفها لصوص هذا الزمان، فالنهاض أو الهمباتي استنكر الزراعة ومشقة الملوده، وتباهي بأنه يسرق ام قجه، وهي الناقة وللنياق أسماء عديدة عند عرب البدو منها أم قجة وأم ساق والحدباء والقمر، ولكن ربما عرب الشتات لم ترضعهم أمهاتهم في الصغر قيم الرجولة وشيم الأكرمين، وهذا الهمباتي يختار إبل البخيل الشحيح، لا الكريم المعطاء الأجواد. ويقول (إبل البعشي مريتو قبل الجار) اي الذي ينام وبطنه وأهل بيته متخمة بالطعام، وجاره جائع لايجد من يسد رمقه، ذلك مايستحق النهب، فأين حرامية ونهابي الماعز والحمير من هؤلاء، وقد أصبح بعضهم ينهب حتى كيس احتياجات الأسرة الأسبوعي من أسواق تسمى (ام دورور) وفي أدب الهباته وقيمهم يحتقرون من يسرق الطعام حتى ولوكانت ( صفايح) زيت
وقال أحدهم:
*ماني الخايب الدايماً بقول سويت ..*
*ومانهروني عند ساعة السؤال قريت ..*
*إن بردن قروش ماني البخيل صريت ..*
*وإن حراً بكار ماهن صفايح زيت ..*
ولكن نحن في زمان ومكان لا قداسة لقيمة إنسانية بعد أن أصبح النضال من أجل الديمقراطية مرتبطاً بنهب الماعز والحمير، بزعم محاربة دولة 56 وادعاء محاربة فلول النظام السابق. وهم في الخرطوم ملاك للعمارات والمتاجر وفي الجزيرة ملاك الحواشات والدكاكين في القرى وفي كردفان ملاكا للماعز والحمير, وربما في دارفور مزارعي الطماطم في كبكابية، والبرتقال في ركرو وسرونق، وفي طويلة زارعين تمباك.
  
               3️⃣
التسجيلات الموجعة التي يبثها الأستاذ محمد محمد خير من اقاصي الدنيا في تورنتو الكندية، في كل حينٍ مناصراً للقوات المسلحة، ودعماً للقوات المشتركة، تمثل حالة وعي ووطنية لرجل أعطي الإعلام كل شئ، وخدم قضيته التي يؤمن بها لعقود من الزمان، ومحمد محمد خير رغم المرض ورغم بعده عن السودان، واستقراره في ماوراء المحيطات، كان يمكنه الصمت، ومراقبة مايجري في البلاد من على البعد، وأبناؤه شبوا علي الطوق، وصاروا عضده وسنده وعوناً له وللأهل والأحباب والاصدقاء. فلماذا لا ينام قرير العين هانيها؟ لكن محمد غلبه حب الأوطان والوقوف مع جيش بلاده، متجرداً من أي مصلحة ذاتية أو هوي.
بل إن أستاذ محمد محمد خير متقدماً على آخرين في قراءته لمآلات الحرب النهائية، وفهمه العميق الي أن تحالف الجيش وحركات الكفاح المسلح الذي اقتضته الحرب الحالية، سيكون قاعدة صلبة لهندسة إجتماعية وسياسية جديدة في بلادنا طال انتظارها. مثلما فعلت المهدية في أولى أيامها، ومثلما فعلت الإنقاذ في عشريتها الأولى، والثانية.
إن هذه الحرب التي شنتها قوات الدعم السريع علي المجتمع السوداني، جمعت الصفوف بين الزغاوي والشايقي والحمري والحامدي والهواري والمسلاتي والنوباوي والجعلي والكاهلي والمحسي والميدوبي والهدندوي والحلوى والبديري وكافة اعراق الشعب. والان الشعب السوداني جميعه ينتظر أخبار دحر الجنجويد في تخوم الفاشر، وأصبح مواطني تنقاسي يتحدثون عن هزيمة التمرد في حجر قدو، ويعرف أهل القضارف وادي سيلي واين يقع وادي كفوت.
وقدم د. جبريل إبراهيم الأسبوع الماضي نفسه وحركته العدل والمساواة وحكومته في ثوب جديد، والرجل اثبت انه رجل دولة وسياسي رفيع المستوى، وصاحب قدرات يفتقر إليها ساسة كثيرون في هذا الزمان. ويعلم جبريل ومناوي وجميع قادة المشتركة أنه بعد هذه الحرب، التحدي أمامهم هو الإنتقال من ساسة دارفوريين إلى شخصيات قومية تمثل كل السودان. لأن قوات العدل والمساواة وقوات حركة تحرير السودان لا تقاتل آلان في الفاشر وحدها ولكنها تدافع عن سنار، وحررت مع الجيش والأمن والقوات الخاصة الإذاعة. ومن الإشارات التي فطن إليها الدكتور عبدالعزيز عشر وهو يحدثني عن الانتقال الكبير في السودان أن الدعم السريع عندما أحاط بمدينة زالنجي من كل الاتجاهات وطوق قوات الجيش في حاميتها ومنع عنها الطعام والتموين والتمويل، فلم تجد إلا معسكر النازحين الذين هم اصلاً ضحايا لحرب الجيش في يومٍ من الايام، وسبب وجودهم في معسكر النازحين. ولكنهم وضعوا كل ذلك وراء ظهورهم، وأخذت النساء يحملن العصيدة والبليلة إلى داخل معسكر الجيش لاطعامهم حتى يقاوموا الجنجويد، ورغم ذلك سقطت زالنجي ودفع النازحين ثمن وقوفهم ودعمهم للجيش.
والان كل مشاعر الشعب السوداني توحدت من وراء الجيش والقوات المشتركة وقوات الكفاح المسلح التي عرف الناس قيمتها وأخلاقها من خلال ممارسات الجنجويد، والتعافي الاجتماعي الذي صبته الحرب في شرايين المجتمع وتجاوز الماضي كما جسدت ذلك حركات الكفاح المسلح التي أصبحت قومية وليست جهوية كما يعتقد البعض في السابق، ويصدق عليها قول الشاعر
*إذا احتربت يوما وسالت دماؤها..*
*تذكرت القربى وفاضت دموعها..*
✒️ يوسف عبدالمنان..
21 سبتمبر 2024م

Exit mobile version