- لا يختلف اثنان على أن الحرب التي أشعلها أشقياء آل دقلو بانقلابٍ دمويٍ غادر وفاشل تُعد الأشرس والأعنف والأعلى كُلفةً في تاريخ السودان، ولا جدال كذلك على أن الجيش السوداني دفع فيها فاتورةً باهظة، بآلاف الشهداء، وآلاف الجرحى، وآلاف الأسرى، ومع ذلك ظل ضباطه وضباط صفه وجنوده الفوارس على العهد بهم، ممسكين على الزناد وملازمين للخنادق، يقاتلون بكل شرف ورجولةٍ وشراسةٍ لحماية الوطن والمواطن في أصعب الظروف.
- تحملوا ويلات القتال وهم محاصرون، يفتقرون للمدد، ويأكلون من خشاش الأرض دون أن تلين لهم قناة.. صنددوا وصمدوا خلافاً لمرتزقة جبناء لم يحتملوا حصار عشرة أيام فقط في الإذاعة وأحياء أم درمان القديمة، قبل أن يركنوا إلى الفرار، ويقعوا في الفخ، ويتم تدمير قواتهم عن بكرة أبيها.
- خرجت العديد من الحاميات العسكرية عن نطاق الخدمة بسقوطها في يد التمرد مثلما حدث في الجنينة ونيالا وزالنجي والضعين وجبل أولياء والفرقة الأولى (مدني)، واضطرت قيادة الجيش إلى سحب أعداد كبيرة من مخزون المقاتلين في بقية حاميات الولايات كي تدفع بهم إلى الجبهات الساخنة سيما في الخرطوم، ومن بعدها الجزيرة وشمال كردفان وغيرها، فقاد اللواء الشهيد أيوب متحرك أسود النيل الأزرق من سنجة بنفسه ودخل به الخرطوم لإسناد المدرعات، وسار على دربه العديد من القادة الذين انبروا للمهمة بأنفسهم.
- تعويض ذلك النزيف المستمر في الرجال، كان يستلزم تعظيم المقاومة الشعبية المسلحة، واتخاذها رافداً أساسياً للقوات المسلحة بمقاتلين أشداء، تطوعوا لإسناد جيشهم من تلقاء أنفسهم، وتدافعوا بالآلاف نحو معسكرات التدريب حاديهم الرغبة العارمة في الدفاع عن الأرض والعرض والنفس والمال، ودافعهم نُصرة جيشهم وأهلهم في معركة الكرامة!
- المثير للاستغراب أن ذلك السعي المحمود لإسناد الجيش في معركة بقاء أو فناء الدولة السودانية واجه حملةً مغرضةً طعنت في مقاصد المقاومة، وحذرت من مخاطرها على البلاد، وكأن ما سيحدث لبلادنا وأهلنا سيكون أخطر وأسوأ مما حدث حتى الآن!
- تأثرت القيادة بالحملة التي استهدفت محاصرة المقاومة، وانجرفت إلى التشكيك فيها، وأسوأ من ذلك أنها (أي المقاومة الشعبية) انحسرت بعد أن حوصرت عمداً، بمنع وصول السلاح لغالب متطوعيها!
- توقعنا أن يتم استيعاب المتطوعين في القوات المسلحة وقوات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة (هيئة العمليات سابقاً)، باستكمال تدريبهم ومنحهم نِمراً عسكرية رسمية، لاستكمال عملية (الاستعواض) البشري، ومنع حدوث أي نقص في أعداد المقاتلين، لكن ذلك لم يحدث بعد!
- لماذا؟ لا ندري!!
- قدّم آلاف الضباط وضباط الصف والجنود نفوسهم رخيصة لفداء الوطن، وارتقوا شهداء بإذن الله، وتعرض الآلاف لإصابات مؤثرة منعتهم من مواصلة القتال، وتعرض آلاف آخرون للغدر ووقعوا أسرى في يد المليشيات، وفقدهم الجيش في ميادين القتال، وبالتالي كان الخيار الأمثل للتعويض استيعاب من تقدموا طوعاً لمعسكرات التدريب، كي يظل الجيش في أفضل حالاته، ويواصل القتال بنفسٍ طويل حتى النصر بإذن الله.
- كيف يتم حرمان الجيش من أقوى سند بشري له في مواجهة عدو غاشم استقوى بمئات الآلاف من المستنفرين، وحشد المرتزقة من اثنتي عشرة دولةً، ولم يترك مجرماً ساعياً وراء القتل والنهب والسلب إلا جنّده ومنحه بندقيةً يقتل بها ويُذل وينهب أهل السودان؟
- نقول لقادة القوات المسلحة إن ما يحدث للمقاومة الشعبية (غير المسلحة) أمر غريب وعجيب ومرفوض ومستهجن، علاوةً على أنه غير مفهوم الدوافع، إذ لا يُعقل أن يتوافر للجيش سند مجاني وخطوط إمداد مفتوحة بالمقاتلين ولا يتم استغلالها بالطاقة القصوى، في معركة بقاء أو فناء الدولة السودانية!
- عشرات الآلاف من المستنفرين استكملوا تدريباتهم العسكرية وانتظروا تسليحهم واستيعابهم في الجيش وبقية القوات النظامية بلا جدوى، وأصيب معظمهم باليأس والملل وعادوا إلى منازلهم آسفين.
- أطلقوا سراح المارد من القمقم لتقوية الجيش وتعويض خسائره البشرية يا قادة الجيش، ووجهوا قادة المناطق العسكرية بتجنيد المستنفرين وتسليحهم على الفور وفتح أبواب التجنيد وتفعيل التدريب لنضمن بقاء الجيش في قمة قوته، ونمنع تأثره سلباً بمن فقدهم غدراً!
- الأسئلة المتعلقة بمسببات تعطيل المقاومة الشعبية مُلحقة بأسئلة أخرى عديدة، لا نجد لها إجابات شافية.
- لماذا لم يتم إعلان حالة الطوارئ؟
- ما فائدتها ومتى ستُعلن إذا لم يتم تفعليها في مواجهة أقسى حرب يتعرض لها الشعب السوداني قبل الجيش؟
- لماذا لم يتم تكوين حكومة حرب لرفد السلطة التنفيذية بكفاءات وطنية مقتدرة تعيد تفعيل أجهزة الدولة وتخفف معاناة المواطنين وتوفر للجيش سنداً يعينه على الانتصار في معركة الكرامة؟
- إلى متى ستظل معظم الوزارات السيادية والخدمية والولايات في عهدة (أفندية) مكلفين أتت بهم الظروف والصدف لتبقى بهم الدولة بلا حكومة فعّالة لأكثر من عامين؟
- متى ستحسم قيادة الدولة خياراتها المتصلة بالعلاقات الخارجية، لتتمتع بسند دولي حقيقي، وحلفاء أقوياء بدلاً من الوقوف في منصة اللون الرمادي المقيتة؟
- تحقيق الانتصار في معركة المصير لا يحتمل التردد ولا يقبل الخيارات الوسطية، ويتطلب توافر إرادة الانتصار عند قيادة الدولة والجيش.
- احسموا خياراتكم وفعلوا أجهزة دولتكم وتبنوا خيار المقاومة الشعبية وادعموها.. وكفوا عن التردد في ملف العلاقات الخارجية وابتعدوا فضلاً عن اللون الرمادي (والعصاية القايمة والعصاية النايمة).. فالأيادي المرتجفة لا تصنع الانتصارات!
صحيفة الكرامة
الأربعاء 15 مايو 2024