عندما كانت شمس الخامس من أكتوبر تتسلل نحو المغيب، وتطبع (قبلة) الوداع الاخير لذلك اليوم المشحون، ثم تقالد سلسلة جبالنا الغربية باشعتها الذهبية، كان جيش النيل الازرق الباسل، يلتحم التحام الابطال بعد النزال، مع جحافل تماسيح النيل الابيض الميامين.
التقى الجيشان وسط التكبير والتهليل وبكاء الرجال، انهمرت الدموع في لحظة عناق عفوي وتلاقي الصدور في بلد مرحب حبابك اخوي وصوت رصاص الفرح كان هو اللغة الوحيدة التي تعبر عن ما في الصدور.
استعادت قواتنا الباسلة، القوات المسلحة السودانية، الشرطة وجهاز المخابرات العامة وابطال العمل الخاص وكتائب البراء بن مالك والفرقان والمستنفرين من المقاومة الشعبية، استعادوا جميعا منطقة (جبل موية) وما جاورها من مناطق كانت تسيطر عليها المليشيا المتمردة، وذلك بعد أن دفعت قواتنا بخيرة رجالها الشجعان الذين قاتلوا بثبات اسطوري تجلت فيه إرادة الجندي الذي يقاتل من أجل قضية تهون أمامها المهج والأرواح.
من هذه المنطقة الاستراتيجية التي تمتد فيها سلسلة جبال شاهقة وارض طينية منبسطة ومترامية، تسللت المليشيا المتمردة إلى حاضرة ولاية سنار (سنجة) عبر طريق بري ترابي من جبل موية ثم سقدي مرورا بعدد من المناطق المتناثرة وصولا إلى سنجة التي شكل سقوطها ضغطا كبيرا على قيادة متقدم سنار، بل على القيادة العليا للجيش التي انخرطت في زيارات متتالية لكي تحث المتقدم على القتال انتظارا لهذه اللحظة التاريخية التي جاءت بجهاد الابطال لكي يقدل الفرح في شوارعنا الحزينة.
تعتبر جبل موية منطقة استراتيجية تكتسب أهميتها من الطريق القومي الرابط بين ولايتي سنار والنيل الابيض، وقد اتخذت منها المليشيا المتمردة منطقة عبور لإمداد مفتوح قادم من ولاية الجزيرة عبر ود الحداد ومنطقة سكر غرب سنار، وباستعادة هذه المنطقة فقدت المليشيا امتدادها من العتاد والمرتزقة وباتت عملية استعادة بقية أنحاء ولاية سنار مسألة وقت ليس إلا.. ولعله بعمليات اليوم استطاعت قواتنا أن تصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد، وما ذلك الذي تحقق إلا قيدومة كبيرة لتحرير كامل اراضي الجزيرة.. سوف يبدأ الزحف من سكر سنار وود الحداد والحاج عبد الله والالتقاء مع متقدم المناقل في قلب حاضرة الولاية (ود مدني) بإذن الله.
التحية للقوات المسلحة السودانية وشعبنا الصامد الصابر الذي أحيته هذه الملاحم الكبيرة ونفخت فيه الروح والتطلع إلى أن القادم اجمل بفوهات البنادق ودماء الرجال، التحية للقائد العام ونائبه ومساعديه ونخص بالتحية الاخ الفريق أول ركن شمس الدين كباشي الذي اولى متقدم النيل الابيض عنايته الخاصة بدليل أنه كان هناك على مدي ايام يتابع ويراقب ويراجع الخطة مع مشرف عمليات المنطقة اللواء الركن حيدر الطريفي وقائد الفرقة 18 مشاة اللواء الشاب كما يناديه الكباشي، (سامي) ثم تمتد التحايا على ذات الطريق الذي يمتد من ربك ثم نسمع نداء انظر يمين نحو كنانة، وصولا إلى الجبال، وهناك يربض جبل موية في شموخ وكبرياء مع تناثر القرى والفرقان، البليحاب وفنقوقة وسقدي، ثم تلتقي الرحلة مع ابطال النيل الازرق حيث ينتظرنا قائد المتقدم اللواء الركن عبد المنعم عبد الباسط، الرجل صاحب (الكراع الخضراء) الذي أعاد الحيوية للمتقدم بعد فترة جمود طويلة وتكلس وخيبات كبيرة، هاهو ينفض الغبار عن القوات ويقدم ملحمة تاريخية مع فرسان الداجو بقيادة اللواء علي حسن بيلو، الرجل الذي صبر وجبر ودافع عن سنار المحلية بكل ما يملك من رجال وعتاد وتجهيزات شحيحة، التحية للعميد الركن قذافي الذي كان يصول ويجول بالامس في ميدان المعركة بعد أن ادعت المليشيا المتمردة انها اسرته منذ يوم الخميس الماضي، لم يأسروه ولكن شبه لهم أنهم يستطيعون.
كسبنا معركة جبل موية بعزم الرجال، ومازال المشوار طويلا وصعبا لبلوغ الغايات النبيلة، يلزمنا الكثير من الوقت لنظافة كل شبر من أجزاء هذا الوطن، ولكن ما نستطيع أن نؤكده ان المعارك قد بدأت منذ أن أعلن القائد انطلاقة معارك الإبادة الشاملة.