د. مزمل أبو القاسم يكتب … الصمت الحرام!
*قرأت تغريدةً للزميل الصديق الباشمهندس عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار، طالب فيها الفريق أول البرهان بالاستقالة، والتخلي عن منصبه وواجبه المقدس في منتصف معركة الكرامة!
*لا نستكثر على عثمان أن يجهر برأيه كصحفي كبير وكاتب مرموق، لاسيما وأنه يمتلك سيرة مهنية باذخة، ومكللة بشجاعةٍ لافتة، كادت أن تكلفه حياته على أيام حكم الإنقاذ، عندما دفع ثمن نقده الحاد للبشير وحكومته وحزبه وأجهزة أمنه اعتداءً آثماً هدد سلامته وتسبّب في إصابته بإعاقةٍ دائمة في إحدى عينيه باعتداء مشهود تم في وضح النهار ولم يتم ضبط مرتكبيه حتى الساعة، مع أنهم كانوا معلومين للكافة، ومع أن تلك الجريمة البشعة ارتكبت في قلب الخرطوم جهاراً نهاراً.
*ذلك بخلاف التنكيل الذي لحق بصحيفة (التيار) التي مُنعت عن الصدور عدة أعوام، وناضل عثمان ميرغني بكل قوته لإعادتها بقوة القانون.
*أحفظ له أنه أظهر قوةً كبيرة وشجاعةً مدهشة في مواجهة ذلك العدوان الغاشم عليه كصحفي مهني يمتلك قلماً جسوراً لا يعرف الخوف، ولا يتردد عن الجهر بقولة الحق!
*ذاك عثمان ميرغني الذي عرفته في ما سبق، وتشرفت بعمله معي كاتباً راتباً في صحيفة (اليوم التالي)، حيث واجهنا معاً المحاكمات الجائرة والملاحقات الأمنية والمصادرات المتكررة للصحيفة بعد طباعتها، ولم ترهبنا تلك العقوبات الموغلة في القسوة من انتقاد السلطة الحاكمة وملاحقة الفاسدين، مثلما لم توقفنا البلاغات المتكررة والمثول الدائم أمام المحاكم من الصدع بكلمة الحق، حتى عاودت التيار صدورها بحكم تاريخي من المحكمة الدستورية.
*ذاك عثمان الذي عرفته وأحببته وآخيته ودخلت داره وأكلت من طعامه، أما عثمان الساكت عن الحق فيمثل بالنسبة لي نسخةً جديدةً أكاد لا أتبينها، وأجزم أن لا صلة لها بالنسخة التي عرفتها وأحببتها، قارئاً متابعاً قبل أن أكون صديقاً وزميلاً في دروب صاحبة الجلالة!
*يجب على الزميل الأستاذ عثمان ميرغني أن ينطق أولاً ويخبر الشعب السوداني كله بما قاله له الهالك المقيم، المعتدي الأثيم (القاتل غير الرحيم) حميدتي في اجتماعه معه الذي استمر أكثر من ثلاث ساعات قبل أسبوعين من لحظة بداية الحرب، وأخطر فيه حميدتي عثمان ميرغني بأنه يدبر انقلاباً عسكرياً يستهدف به الاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة.
*على عثمان أن يفصح عن مسببات صمته عن ذلك المخطط وعدم إبلاغ السلطات به كصحفي مسؤول ومواطن صالح، ولو فعل لربما تجنبنا حرباً دفع فاتورتها الباهظة الشعب السوداني كله!
*على عثمان ميرغني أن يوضح للناس لماذا اختار أن يسكت عن قولة الحق ليتحول إلى شيطان أخرس، ولماذا لم يبلغ الجهات الأمنية عن ذلك الانقلاب ويفصح عن هوية المشاركين فيه من قادة قحت، وعليه أن يوضح للرأي العام كيف علم أنهم شاركوا في ذلك المخطط الآثم بمعزل عن تنظيمهم، وكيف عرف أن المشاركة تمت بأفراد وليس بالتنظيم كله؟
*على عثمان ميرغني أن يتكلم بعد أن صمت لأسبابٍ نجهلها أكثر من عام، ليعرف الشعب السوداني هوية من قتلوا عشرات الآلاف من السودانيين وتآمروا للسطو على الحكم وتسببوا في تشريد وتهجير الملايين وتسبب فعلهم في اغتصاب الحرائر وقتل الشيوخ والأطفال واستباحة المدن والقرى الآمنة، وفي اختطاف النساء وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي وعنف جنسي ومقابر جماعية.
*ذلك بخلاف جرائم السطو والسلب والنهب واحتلال مراكز الخدمات وحرمان الملايين من خدمات الماء والكهرباء والعلاج، واحتلال المستشفيات والمرافق الصحية والجامعات والمدارس ومراكز الدولة ومراكز الشرطة وغيرها من الجرائم الفاشية التي ارتكبتها ميليشيات الدعم السريع الفاشية الإرهابية المجرمة ومن تحالفوا معها في انقلاب فاشل تسبب في اندلاع أعنف وأقذر حرب في التاريخ الحديث!
*يمكن للزميل عثمان ميرغني أن يتحدث وينصح البرهان وغيره، وأن يقود المبادرات الوهمية بسطو مشهود على ألسن زملائه (رؤساء التحرير) من دون إخطارهم.. يمكنه أن يفعل كل ذلك بعد أن يكف عن صمته غير المبرر، ويتوقف عن كتم الشهادة التي رفض الإدلاء بها لأكثر من عام بمسوغات واهية ومسببات مثيرة للسخرية، إذ لا مجال أمامه لتبرير صمته بالحديث عن استعداده للإدلاء بشهادته أمام القضاء، بادعاء أن ذلك الملف يمثل شأناً جنائياً!
*ليست هناك دعوى مفتوحة في القضاء على ذلك الانقلاب حالياً كي تؤثر شهادة عثمان على سير العدالة فيها، ولا يوجد بلاغ بشأنها، كما أن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي يرفض الإفصاح عن تفاصيلها وملابساتها وما علمه من حميدتي عنها تسببت في تدمير معظم قاعات ومجمعات المحاكم واحتلالها وحرقها في العاصمة وعدد مقدر من الولايات، بواسطة ميليشيات آل دقلو الإرهابية المجرمة!
*تحدث يا عثمان ولا تصمت، فمن حق الشعب السوداني أن يعرف حقيقة ما حدث، وأن يعلم ماذا قال لك الباغي الشقي، وأن تفصح عن أسماء المتورطين في الانقلاب الفاشل والمتآمرين مع حميدتي فيه، لاسيما وأن من تعنيهم وتتستر على أسمائهم أداروا ظهورهم لشعبهم وتواطؤوا مع القتلة وتحالفوا مع أوغاد آل دقلو الذين أذاقوا الشعب السوداني مُرّ العلقم، وأهانوه وأذلوه ودمروا البلاد وشردوا العباد وقتلوا الشيوخ والنساء والأولاد!
*حتى يفعل ذلك نقول له: النفس أولى بالنصح يا عثمان!