(تقرير) مالك عقـار.. القرار الصائب في الوقت المناسب
غادر منتدى في جنوب أفريقيا، احتجاجاً على مشاركة الميليشيا،،
..
قرار المقاطعة تنزل برداً وسلاماً على صدور السودانيين..
رفض قاطع لاستسهال دماء السودانيين، وفرض واقع التعايش مع الميليشيا..
وزير الخارجية يبدي أسفه ويجدد الرفض بالجلوس مع ميليشيا الجنجويد..
ضغوط سياسية تمارس من الخارج لتمكين الميليشيا من هدم قواعد التحرر في أفريقيا..
مطالبات بتوجيه صوت لوم مباشر لموقف جنوب أفريقيا الدعم للميليشيا..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
انشغل بال السوشيال ميديا، وتفاعلت منصات التواصل الاجتماعي خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية مع قرار انسحاب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق مالك عقار من جلسات المنتدى السنوي للسلم والأمن الأفريقي الذي تنظمه مؤسسة ثامبو مبيكي في جنوب أفريقيا، وجاءت مغادرة عقار أعمال المنتدى، عندما تفاجأ بدخول وفد من ميليشيا الدعم السريع المتمردة إلى قاعة المنتدى بقيادة المجرم القوني حمدان دقلو، وأبلغ نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي منظمي المنتدى الذين دعوا الميليشيا المتمردة للمشاركة دون علم الحكومة السودانية، أن الخطوة تمثل استسهالاً لدماء الشعب السوداني، واستهانةً بالغة بما يتعرض له السودانيون على يد مرتزقتها المجرمين، وهو أمر غير مقبول.
قرار صائب وشجاع:
لقد سجل الفريق مالك عقار، موقفاً شجاعاً باتخاذه القرار الصائب في الوقت المناسب، مثبتاً بذلك موقفاً وطنياً قوياً، ومبدأً قومياً لا تراجع عنه يؤكد الرفض القاطع لهذه الميليشيا الإرهابية المجرمة التي قال فيها الشعب السوداني كلمته الواضحة، وحدد مستقبل وجودها في المشهد بعد الانتهاكات الفظيعة والجرائم الشنيعة التي ارتكبتها في حق المواطنين الأبرياء والعزل، محولة فوهات بنادقها إلى صدر الشعب، بالقتل والسحل والاغتصاب والنهب والسلب والتهجير القسري، فلا يستقيم الظل والعود أعوج، ذلك أن الفطرة البشرية السليمة ترفض مبدأ التعايش مع من ارتكب في حقك كل هذه الجرائم والانتهاكات، ثم يأتي بكل عنجهية ليفرض عليك واقع أن تتعامل معه، وتقبله ليكون فرداً في مجتمعك.
قضايا مهمة ولكن:
وكانت ميليشيا الدعم السريع، أعلنت عن مشاركة وفدها في منتدى الحوار السنوي للسلام والأمن في أفريقيا، والذي تنظمه مؤسسة ثابو مبيكي (TMF) بمدينة جوهانسبيرج بجنوب أفريقيا، وينعقد في الفترة من الرابع إلى السادس من أكتوبر الجاري تحت شعار (نحو أفريقيا سلمية وآمنه)، إذن فقد تلقَّت الميليشيا المتمردة، دعوةً رسمية من قبل الجهة المنظمة، للحضور والمشاركة في هذه الفاعلية الإقليمية، المعنية ببحث عدة موضوعات وقضايا من بينها الوضع الحالي للسلام والأمن في أفريقيا، والتهديدات والتحديات الناشئة والمتطورة، والفرص والآفاق لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين، إلى جانب دور ومساهمة مختلف الجهات الفاعلة وأصحاب المصلحة مثل الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي، والبنك الأفريقي للتنمية، والتجمعات الاقتصادية، والمجتمع المدني الأفريقي، في تعزيز السلام والأمن في أفريقيا.
فاقد الشيء لا يعطيه:
وشهدت أعمال المنتدى حضوراً مهيباً من الرؤساء السابقين والوزراء، وممثلين للاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، الجزائري رمضان العمامرة، ومن هنا تكمن أهمية هذا المنتدى في الموضوعات والقضايا المطروحة، والحضور المهيب للمشاركين، وهو الأمر الذي يطرح عدة أسئلة منطقية عن الصفة الاعتبارية التي تم بموجبها تقديم الدعوة إلى ميليشيا الدعم السريع للحضور والمشاركة في هذا المنتدى؟ ألم تطرق أسماع منظمي المنتدى، أو تلامس أبصارهم الفيديوهات التي توثق للجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها هذه الميليشيا الإرهابية في حق الشعب السوداني؟ وكيف تتم دعوة ميليشيا تخرق القانون الدولي والإنساني وتضرب بالمواثيق الدولية عرض الحائط، وتهدد عافية السلم والأمن على الصعيد الإقليمي، لتشارك في فعالية تختص ببحث سبل تحقيق السلام والأمن والاستقرار في أفريقيا؟ وفاقد الشيء لا يعطيه.
أسف رفض:
ويبدي وزير الخارجية السوداني السفير حسين عوض علي أسفه لدعوة ميليشيا الدعم السريع للحضور والمشاركة في منتدى يختص بقضايا السلام والأمن في أفريقيا، وجدد الوزير في حديثه للكرامة التأكيد على رفض الحكومة السودانية الجلوس مع فصيل متمرد وميليشيا إرهابية، منوهاً إلى أن انحدار بعض الدول باسم السلام لن يخدم القضية الأفريقية، مشيراً إلى ضغوط سياسية تمارس على التوجه الأفريقي من الخارج لتمكين هذه الميليشيا من تنفيذ أغراض ومصالح وأجندة تخص دولاً اتخذت من ميليشيا الدعم السريع معولاً لهدم قواعد التحرر في أفريقيا، وقال الوزير إن القضية الأفريقية هي قضية تحرر، ولا علاقة لهذه الميليشيا المتمردة بقواعد وأسس التحرر، ولا تستوعب قيادتها معنى التحرر، خاصة وأنها قد تمردت وانشقت عن جيش وطني يعتبر من أعرق الجيوش في القارة الأفريقية، وعليها أن تخضع للقانون العسكري الذي لم تلتزم به وحاولت القفز عليه.
جهود أفريقية ضد العنف:
لقد ظلت القارة الأفريقية تجتهد من أجل محاصرة الجماعات الإرهابية، والحركات المسلحة، والمجموعات الانفصالية، والقوى المنفلتة، والتي تتسبب في تهديد سلم وأمن واستقرار القارة السمراء عبر ممارسة الجرائم المنظمة والجرائم العابرة، وقد اجتهدت معظم دول القارة عبر تكتلاتها وتحالفاتها ومنظماتها الإقليمية من أجل تشكيل قوات مشتركة للمكافحة والحد من نشاط هذه الحركات والمجموعات المسلحة والإرهابية وما أكثرها في القارة الأفريقية، ولعل من أبرز القوات التي تم تشكيلها في القارة السمراء بغرض محاصرة الإرهاب وتعزيز السلام والاستقرار، القوات السودانية التشادية المشتركة، قوات تحالف دول الساحل والتي تضم دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهنالك قوة العمل المشتركة الموحدة في القرن الأفريقي، وغيرها من القوات المشتركة الإقليمية أو قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أو القوات المختلطة والهجين ما بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
أهداف متوافقة:
لقد اتفقت أهداف كل القوات المشتركة والمختلطة التي تنتشر في ربوع وفيافي وأدغال القارة الأفريقية وصحرائها على تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، والقضاء على الصراع، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والوقوف في وجه التمرد، والعنف المسلح، والحد من كافة أشكال ومظاهر العنف التي تهدد السلم والأمن، وتعرِّض حياة المدنيين للخطر، ولا تتم هذه العمليات المختصة بمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة، إلا من خلال كسب دعم السكان المحليين، وتطوير منهج متكامل لتحقيق أهداف ومقاصد هذه القوات من قبل الحكومات والمنظمات الإقليمية والمجتمع الدولي، وتعزيز التعاون القضائي، ورغم كل هذه المعطيات المتفائلة لمكافحة ومحاصرة الإرهاب والجرائم العابرة، تأتي جنوب أفريقيا لتدعو واحدة من الميليشيات المهددة للسلم والأمن الإقليمي إلى حضور مثل هذا المنتدى في تحدٍ سافر للجهود الأفريقية المضنية لمحاربة الجماعات الإرهابية والمنفلتة في القارة السمراء، وإلباسها ثوب الشرعية، رغم أنف الحكومة السودانية.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ فإن الموقف القوي والشجاع الذي اتخذه نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار بمغادرته جلسات المنتدى السنوي للسلم والأمن الأفريقي بجوهانسبيرج يمثل خطوة أولى على طريق طويل ينبغي أن تسلكه الدبلوماسية السودانية بتوجيه صوت لوم مباشر عبر وزارة الخارجية لحكومة جنوب أفريقيا التي كانت قد استضافت قائد الدعم السريع عقب ( عودته للحياة) مطلع العام الجاري، وللجهة المنظمة للمنتدى والتي حاولت فرض الأمر الواقع بالجمع بين وفد الحكومة السودانية، وميليشيا الدعم السريع المتمردة، وهو أمر مقصود، وتم مع سبق الإصرار والترصد ليكتسب المنتدى زخماً سياسياً وإعلامياً كانت تشتهيه طاولة التفاوض في جنيف، ولكن حنكة الفريق مالك عقار وخبرته السياسية فوّتت على الجهة المنظمة هذه الفرصة الذهبية، وحكمت مبكراً على فشل هذا المنتدى، ويمكرون ويمكر الله، والله خيرُ الماكرين.