سخرية عرمان وغضب حميدتي
يوسف عبد المنان
الزمان شهر سبتمبر ٢٠١٧ والمكان مابين فندق رديسون بلو بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا ومكتب بالخرطوم ٢ شمال حديقة ومطعم ازوون قبل أن يصبح أكبر سوقا للبيع والشراء ومرتعا لمخبري المدينة وزوار آخر الليل
بدأت رياح السلطة تشحن اشرعة سفينة اللواء محمد حمدان دقلو وبات ظلا لرجل وصف بظل البشير في الليل الحالك وصار أقرب إلى طه عثمان الحسين من حبل وريد عنقه من خلال مكاتب الرئيس التي جمعها طه تحت ابطيه وأخذ يصدر من خلالها التوجيهات ويقرب رجالا ويبعد آخرين وقد افلحت ثنائية( طه حميدتي) في خسران البشير لرجاله على عثمان محمد طه ونافع على نافع وتم تجريد الإنقاذ من مصادر قوتها التنظيمية ممثلة في دكتور نافع على نافع وتجريدها من عمق وقيادة الحركة الإسلامية ممثلة في على عثمان وامسك طه عثمان بعنق الدولة وجعل من حميدتي فارس الرهان البديل للجيش الذي تململ كثيرا من قادته بتمدد نفوذ حميدتي حتى صار له مكتبا في وزارة الدفاع بالقرب من الوزير عوض ابن عوف وغير بعيد من مكتب الفريق عبدالفتاح البرهان الذي أصبح المفتش العام بدلا عن الفريق السر
انعقدت في أديس أبابا جولة مفاوضات بين الحكومة من جهة والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال برئاسة مالك عقار قبل أن تتصدع الحركة وتنشطر إلى اثنتين والجبهة الثورية من جهة ثالثة وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي وحركة العدل والمساواة وحزب الأمة والمؤتمر السوداني وحزب البعث وحشدت المعارضة كل رموزها لاهمية تلكم المفاوضات بعد التوقيع على اتفاق خارطة الطريق ولكن المفاوضات بدأت متعثرة وتلكا الوفد الحكومي في المضي قدما في اتفاق حول الملف الإنساني اي كيفية توصيل المساعدات للمحتاجين في المنطقتين ودار فور وانفضت المفاوضات فقط بخلاف شكلي يعكس عدم الرغبة في السلام خاصة من جانب وفد الحكومة الذي كان أكثر حاجة للسلام وانتخابات رئاسة الجمهورية تقترب والبشير لم يخفى رغبته في الاستمرار لولاية جيدة لكن داخل حزبه بدأت المعارضة ترتفع أصواتها جهرا
اختلف الوفد الحكومي والمعارضة حول كيفية دخول الإغاثة عن طريق المطارات الإثيوبية مباشرة لمناطق الحركة الشعبية ومن انجمينا إلى مناطق سيطرت الحركات الدارفورية وتعهدت الحكومة الإثيوبية بأن لاتسمح لشحنات الإغاثة بالعبور الا بعد ان تخضع لتفتيش من المخابرات السودانية وأنها تسمح بوجود مراقب في أرضها لعمليات الإغاثة البرية والجوية
وهنا كان لابناء جبال النوبة والنيل الأزرق موقفا كاد أن يؤدي لشرخا عميقا في الوفد المفاوض واللواء محمد مركزو كوكو والعقيد الشفيع الفكي على والمك يوسف حسن عدلان وكمندان جودة كانت رؤيتهم أن استمرار الحرب بالمنطقتين بات غير مبرر مطلقا وان الخلاف حول كيفية ومن أين تأتي الإغاثة ليست سببا في استمرار الحرب وقال مركزو بلهجة حادة لرئيس الوفد الحكومي المهندس إبراهيم محمود حامد ( معقول ياسيادتك اذهب انا لجبال النوبة واقول للناس الجوعي اختلفنا حول الإغاثة الحكومة تتمسك أن يأتيكم الزره من الأبيض والخرطوم فقط والحركة تقول ان الزره يجب أن تأتيكم من خارج الحدود ياأخي زول جيعان لن يهتم كثيرا من أين تأتيه الإغاثة)
وبدأ إبراهيم محمود أكثر مرونة وقناعة داخلية بأن الأسباب التي أدت لتعثر المفاوضات يمكن تجاوزها وان هوة الخلاف مع الجبهة الثورية بشأن وقف إطلاق النار مع قوى الكفاح المسلح كما أطلق عليها لاحقا أسباب لاترقي لاختلاف فالحكومة ترفض الاعتراف بأي وجود لحركة العدل والمساواة على أرض دارفور ويقول اللواء دخري الزمان عمر لأحمد تقد لسان كل قوات العدل تقاتل في ليبيا مع من يكفلونها وبعضها في جنوب السودان فكيف نوقع اتفاقا لوقف إطلاق النار مع فصيل غير موجودا في أرض الواقع
بدأ جليا أن الوفد السياسي للحكومة الذي يتألف المهندس إبراهيم محمود حامد والدكتور امين حسن عمر والدكتور محمد مختار الحسين والسفير حسن حامد ومفوض العون الإنساني داحمد آدم إضافة لوفد المنطقتين النيل الأزرق وجبال النوبة لايملك حق التقرير بشأن توقيع اتفاق مع الجبهة الثورية وان أمر التفاوض بيد الوفد العسكري الذي يقوده الفريق عماد عدوى رئيس أركان الجيش والفريق محمد مصطفى مدير الاستخبارات واللواء دخري الزمان عمر ممثل جهاز الأمن وكلما اقتربت المفاوضات من الوصول لنقاط اتفاق آثار الوفد العسكري نقاطا رفضها الطرف المعارض حتى بدأ للمراقب أن الوفد العسكري لم يأتي لاديس أبابا الا لعرقلة التفاوض وفرض( فيتو) على الوفد السياسي وفي الجلسة قبل الختامية للمفاوضات احتدم الخلاف حد التلاسن بين ياسر عرمان والفريق عماد عدوى بتواضعه وتهذيبه الا ان الفريق عدوى غضب من ياسر عرمان الذي وجه حديثه مباشرة لقائد أركان الجيش وعرمان حينها كان مذهوا بموقفه كاهم مفاوض في الجلسات ويقود مع جقود مكوار وأحمد العمدة بادي وفد الحركة المفاوض بينما مالك عقار كان مستعدا لتوقيع الاتفاق قال عرمان ساخرا من عدوي ومن الجيش السوداني (ياعماد عدوى انت تضع العراقيل أمام التفاوض ونحن نعتقد أن من يقاتل هو من يفاوض وانت لاتملك جيشا مقاتلا الصحيح أن نفاوض نحن حميدتي وليست انت لأن حميدتي هو من يقاتل) ضجت القاعة بالضحك السخرية من عماد عدوى وكيف التفاوض مه حميدتي)
في اليوم التالي صدرت الصحف بالخرطوم وكان عنوان صحيفة المجهر التي أمثلها (عرمان مستعدين للتفاوض مع حميدتي) وكان عطاف عبدالوهاب يمثل صحيفة الصيحة وعمرو شعبان السوداني وتناولت جميع صحف الخرطوم حديث عرمان بيد اني الهندي عزالدين طلب مني تحليل حديث عرمان ومايجري في دهاليز وغرف التفاوض في الصفحة الأخيرة المجهر وعندما طالع حميدتي الخبر أسرع مدير مكتبه الاتصال بشخصي وحينها كنت قد اتخذت مقعدا لي بالطائرة الانتنوف الرئاسية ٧٤ وبدأ كابتن عقيد طارق الاستعداد للإقلاع حدثني مدير المكتب أن اللواء حميدتي ينتظرني في مكتبه بالخرطوم ٢ لحظة وصولي وعندما هبطت الطائرة بالمطار وهرع الصحافيين لالتقاط الأخبار من رئيس الوفد وجدت الأستاذ طلال إسماعيل وهو صحافي حازق لمهنته اتجهت إلى موقف الانتظار الطويل حيث سيارتي الهوندا تحركت من المطار مباشرة لمكتب حميدتي استقبلني على طريقته الباردة فبدو الشمال ليسوا مثل البقارة في البشاشة وحرارة استقبال القادمين إليهم وربما لعبت الطبيعة دورا واثرا في جفاف مشاعر البدو نحو الآخرين
سألني مباشرة عن صحة حديث ياسر عرمان؟ وهل هناك من حرضه على قول هذا الكلام؟؟ قلت له حسب علمي هذا موقف عرمان لإثارة حنق وغضب عدوى
وفجأة سألني هل للوفد الحكومي يدا في تحريض عرمان ليقول ماقال؛؛
تبدت دهشتي وايقنت أن وراء الكلام كلام؛؛
ثم سألني عن مسار التفاوض وفي تقديري الشخصي لماذا فشلت المفاوضات وفجأة عاد لحديث عرمان وقلت له لدى تسجيل كامل فاخرجت جهاز التسجيل واستمع حميدتي وجاء شقيقه عبدالرحيم والدكتور مصطفى عبدالنبي وبعد نهاية الحديث قال لي عندي تصريح ليوم غدا في الصحيفة
وقال حميدتي (نحن تفاوضنا مع عرمان بالبندقة فقط) واستطرد (انا لااعرف عرمان هذا) والتقط لنا عبدالرحيم دقلو صورة نشرت في الصفحة الأولى للصحيفة في اليوم التالي
ولكن بعد مرور أقل من ثلاثة سنوات يصبح حميدتي أو رئيس وفد التفاوض الحكومي ويواجه عرمان ثم تدور الايام ويصبح عرمان الذي كان يسخر من حميدتي مستشارا له
وحقا صدق الفيتوري
دنيا لايملكها من يملكها
اغني اهليها سادتها الفقراء
العاقل من يأخذ منها في استحياء
والغافل من ظن الأشياء هي الأشياء