اعمدة الرأي

يوسف عبدالمنان يكتب .. حادثة كسلا ، واقعة مليط ، ومقتل موظف سفارة أمريكا بالخرطوم.

● عندما تذرف قحت الدموع في كسلا، وتتعامي عن مليط والخرطوم.
● إلى متى تظل القاهرة بعيدة عن الملف السوداني؟

1️⃣ ثلاثة حوادث شهدتها البلاد الأسبوع الماضي، كشفت عن أي دركٍ سحيقٍ تردت إليه القوى السياسية، التي تدعي أنها ديمقراطية ومدنية، وأنها صانعة ثورة يشتجر أهل السودان علبها ويتنازعون منذ غروب شمس الإنقاذ من (ابوها ومن امها واخوها) حتى سقطت البلاد في مستنقع الحرب، التي سعت إليها القوى التي تدعي المدنية، وهي في حقيقتها عسكرية بملابس مدنية !! وفي الأسبوع الماضي مات أحد أبناء مدينة كسلا بشرق السودان داخل محابس جهاز الأمن الوطني والمخابرات، وقبل أن تندلع الاحتجاجات التي سدت طرقات مدينة كسلا، وعلي إثرها اتخذ مدير عام جهاز الأمن والمخابرات الفريق أحمد ابراهيم مفضل حزمة إجراءات وقرارات فورية بموجبها تم رفع الحصانة عن المتهمين مباشرةً، دون لجلجةٍ، وليس بسبب مطالبة الرأي العام، بقدرما إحساس بالمسؤولية الاخلاقية، ومسلك قويم لتحقيق العدالة. ومعلوم أن الفريق مفضل في عهده القصير، لم تشهد ساحته قضيةٌ ظُلم فيها مواطن، حتى بعد تعديل القانون، الذي أعاد للجهاز حق التوقيف، والتحري وصولاً للحقيقة. ولقد نظم القانون ذلك بما يتوافق والدولة العصرية التي تحفظ الحقوق ولا تظلم أحداً، ولا تقمع الشعب في تطلعاته للحرية الكرامة.
رفع المدير العام لجهاز الأمن الحصانة فوراً عن منسوبي الجهاز، هذا الإجراء أجهض مخطط إشعال الشرق، وضرب الاستقرار في الإقليم، وقد إنتحبت قحت، وبكت وشقت الجيوب، ولطمت الخدود، وجعلت من الفضاء الإعلامي ساحةً لمناصرة الشهيد، الذي سارعت الدولة لمعرفة ملابسات موته، وازاحة أي مانع يحول دون إحقاق العدالة الناجزة. ولكن معركة قحت تتغذى على علف إطلاق الإشاعات، وكل يوم يكشف عن مكرهم وسوء تدبيرهم.
المدهش بكى علي قتيل كسلا خالد سلك، ومريم الصادق، وفاضت إنسانية ورقة ياسر عرمان، وامتنع عن الأكل ليومين لأن قلبه مفطور وموجوع على إزهاق روح فتى كسلا، وحتى دولة الإمارات العربية المتحدة بعثت كلابها بوستات شتيمة النظام غير الديمقراطي !! في السودان. وفي سجون أبوظبي يقبع الأحرار واختفى في ظلام مملكة ال نهيان الصادق صديق ودعة منذ سنوات ولايعرف مصيره حتى اليوم، ولكن الإمارات تتحدث عن حق الشعب السوداني في الحكم المدني وحق الشعب الاماراتي في دكتاتورية آل زايد. !!

2️⃣ وحتى نكشف زيف دموع التماسيح التي ذرفتها قحت على روح قتيل كسلا، فإن جماعة قحت أُصيبت عيونهم بغشاوة، وفي آذانهم صمم، وعلى قلوبهم أقفالها، ومليط التي ألهمت الشعراء سحراً بطبيعتها، تُغتال فيها البراءة، وقد جاء في الاخبار (قال شهود عيان انه تم العثور على جثتين للآخوين الشقيقين تاج الدين وكمال الدين عبدالرحمن يوسف 30و27 سنه بمدينة مليط بعد اعتقالهما لأكثر من شهر من قبل الدعم السريع، وجريمتهما أن تم فحص هواتفهما وعثر على مقطع عن مقتل القائد على يعقوب) والعثور على مقاطع فيديو عن حرب الجنجويد تعتبر جريمة ترمي بمرتكبها في جبٍ عميقٍ ثم يُطلق عليه النار، من أجل إرساء قواعد الدولة المدنية القادمة على أفواه (ام قدوماً عفن) كما يباهون، وقحت لم تسمع بما حدث في مليط، ولم تحدثها نفسها عن مجرد إدانة في الإعلام، ولو علي استحياء، لما حدث للشابين المقتولين وفجيعة أسرتهما المكلومة. وقحت التي لاتستحي وهي تتحدث عن (شعبنا) واي شعب الذي تعنيه قحت في خطابها وهي تغض الطرف عنه وتمنعها مصالحها وأموال ال دقلو عن قول الحق والحقيقة، وقد باعت قحت ضميرها بحفنةٍ من المال، وخانت أهل الجزيرة، وهم يتعرضون لأبشع الإنتهاكات والإبادة، وقد أسقطت من جدول اهتماماتها مليط وأهلها، ولكن تبكي علي قتيل كسلا، وكأن مليط تقع في جزر الكاريبي. وليس دارفور ومليط التي تنتهك فيها العروض، وتستباح المدينة على يد مليشيا الدعم السريع، التي تدعي أنها تحارب من أجل الديمقراطية، وحرب فلول النظام السابق. وعلى قيادة الدعم السريع هناك واحد من كبار الفلول، ودستوري سابق، وأحد قيادات تنظيم الحركة الإسلامية المدعو محمد سليمان رابح، وهو من أكل خريف الإنقاذ كاملاً وشرب من ضرعها، ولم يمسح فمه من طعام قدح بيت عثمان كبر، والآن أصبح يمتطي المنهوب من عربات مواطني الخرطوم، ويدخر في بيته كل حرام، فكيف لا يزهق أرواح شباب كل جريرتهم الاحتفاظ بذكرى تاريخ واقعة بشعة لمقتل قائد تمرد، لا شبيه لها في تاريخ السودان.
وفي الخرطوم كانت فجيعة أخرى تم اغتيال طارق حسن بمنطقة الوادي الأخضر شمال بحري بعد أن داهمته قوة من الدعم السريع لنهب بيته، وبعد أن تم نهب الثلاجة والشاشة وحتي الأواني والسرائر وأنبوبة الغاز، وحتى مقعد دورة المياه اكرم الله السامعين!! طلب أشاوس الدعم السريع من القتيل فتح تطبيق بنكك، لإفراغ رصيد حسابه في حساباتهم !! وحينما رفض كانت طلقة الكلاشنكوف تستقر في رأسه، ولم تسمع قحت بذلك الحادث الذي بلغ الآفاق !!. وحتى السفارة الأمريكية صمتت فلم تسمع بمقتل موظفها طارق حسن !! الذي لو حدث موته بلطلق طائش علي يد القوات المسلحة، وعن طريق الخطأ، لصدر من الخارجية الأمريكية في واشنطن بيان إدانة شديد اللهجة، ولربما أثارت واشنطن الحادثة في مجلس الأمن الدولي؛ وتبعتها قحت تبكي وتذرف الدموع. ولكن لأن القاتل الدعم السريع صمتت أمريكا ولم تحدثها نفسها عن مجرد الإشارة لمقتله، دع عنك إدانة الدعم السريع، الذي ظل يتمادى في القتل والسحل وتعذيب الناس، ولكن جرائمه مغفورة !! علماً بأن يوم أول أمس الخميس بلغ عدد ضحايا التدوين المدفعي وسط المدنيين من سكان محلية كرري ومحلية ام درمان 23 قتيلا وجريحا،ً وفاض مستشفى النو بالناس مابين جريح وقتيل، وبواكي الأهل على فقيد عزيز، الا قحت التي تبكي وتستجدي دولارات الكفلاء، أكثر من مجرد نظرة واحدة للمقهورين من قبل الدعم السريع.

3️⃣ منذ سقوط الإنقاذ أخذ الدور المصري في السودان في الانحسار والضمور، وتعاظم الدور الرباعي لدول أمريكا وبريطانيا والإمارات والسعودية، وتوغلت إثيوبيا، وكان رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك إثيوبياً أكثر من الأمهرا والتغراي، ولعبت قوي الحرية والتغير دوراً سالباً في تغذية شعور الكراهية لمصر وسط السودانيين. مصر التي رفضت عند نشوب الحرب الحالية أن تقف مع مليشيا ال دقلو، ولم تبدل من ثوابتها في رفض حكم السودان من قبل عصابة مليشيا، مهما كانت قوتها، أو حصولها على ثقة حلفاء مصر، ومع تصاعد العمليات العسكرية في المدن والعاصمة الخرطوم فر الملايين من الأسر إلى مصر، التي لم تغلق أبوابها في وجه الشعب السوداني، واستقبلت حشود الفارين، وتقاسم الشعب المصري مع السودانيين لقمة العيش، والدواء المدعوم، والكهرباء المدعومة، والغاز المدعوم، واقتسم المصريون مع السودانيين كل شي، ولكن العالم الغربي ومشيخات الخليج التي نصبت نفسها وصياً على السودان، تسعى دوماً لتحجيم دور مصر في الملف السوداني. والنخب هنا للأسف لا تقرأ التاريخ القريب عندما غابت مصر، وحُجم دورها في مفاوضات نيفاشا، فكانت النتيجة أن انفصل الجنوب، ويومها وجد السودان نفسه وحيداً في غابة من الضباع، واليوم يعيد التاريخ نفسه بإبعاد مصر قسراً عن الملف السوداني، الذي تمسك به دولة الإمارات، وهي دولة أقل من محافظه الإسماعيلية من حيث المساحة والتاريخ والثقافة، والادب والحضارة. ومصر بثقلها التاريخي وإرثها الحضاري والفكري، وبعلمائها ومثقفيها، ومفكريها وآدابها أجدر من كل مشيخات الخليج بالحديث والتوسط في الشان السوداني. لكن مصر لأسباب نجهلها نحن السودانيون تركت الملف السياسي والأمني والعسكري لغيرها، وظلت لوحدها تدفع عدم الاستقرار في السودان، فهل تعيد النخب المصرية النظر في السياسة الحالية وتنهض مصر بدور كبير في جمع أطياف أهل السودان، بلا عزل أو إقصاء وحث الرئيس عبدالفتاح السيسى أخاه عبدالفتاح البرهان على اتخاذ القرارات الصعبة، من أجل سودان مستقر، والا وجدت مصر نفسها أمام حشود وتدفقات يومية من اللاجئين إلى الأراضي المصرية، وتتحمل نفقات حرب طويلة ومهلكة لكلا الدولتين.
✒️ يوسف عبدالمنان..
07 سبتمبر 2024م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى