اعمدة الرأي

يوسف عبدالمنان يكتب… العودة إلى جوبا!!

عدت إلى مدينة جوبا بعد انقطاع بلغ خمسة سنوات الا قليلا وكان آخر عهدي بها في زيارة لرئيس مجلس الوزراء السابق عبدالله حمدوك قبيل توقيع اتفاقية جوبا عدت كما عاد مصطفي سعيد في رواية موسم الهجرة للشمال حينما سأله الراوي من أين جئت فقال قولته الشهيرة ليس مهما من أين جئت ولماذا جئت ولكن المهم أنني جئت وهذه الرحلة جئت من بورتسودان بدلا عن الخرطوم واستقبلتنا جوبا بعطف وحنان الأخ الذي انكسر خاطره وخربت بلاده نهبت وسرقت واغتصبت نساوه وبدأ قادة الجنوب أكثر عطفا على الأخ الأكبر االذي صار الي ماصار إليه بفعل جنجويد العصر
تفرست الوجوه ودققت النظر في الخضرة الممتدة والمياه المنسابه والخريف واعتدال المناخ ومطار جوبا الذي صار مطارا دوليا وأكثر من عشرين طائرة ترابط في المطار ولكن مجرد رؤية طائرات برنامج الغذاء العالمي والصليب الأحمر تدرك بأن هذه الدولة لاتزال تحوم حولها الأزمات ولكن من بعيد تقف طائرات الخطوط المصرية والتركية وتاركو السودانيه وشقيقتها بدر وطائرات خطوط داخلية بين جوبا وملكال ومريدي وواو والرنك وربما كبويتا ومشينا خطي المسافة بين الطائرة وغرفة كبار الزوار وهي غرفة شديدة التواضع هرع فيها توت قلواك نحو وفد شعبي لايمثل سلطة نظيرة وليس من بيننا وزير أو من كبار القوم بل علياء السلطة ا اتخذوا غرفة بعيدة عنا حيث الفريق يسين إبراهيم وزير الدفاع وخبير التفاوض اللواء فقيري وممثلين للاستخبارات والأمن والعون الإنساني وبعد أن صافحهم توت بود اتجه نحو الوفد الشعبي بمحبة وتقدير ومابين الدكتور حسن عبدالحميد والبله جودة وتقوى الطاهر والجنرال المتقاعد بهلول وابن الوز العوام عادل دلدوم الختيم أشقر وزع توت قلواك ابتسامات الرضا مثلما توزع حسناء ذاندي رحيق كلماتها لمن يحبه القلب
ولجنا فندقا يبدوا من مظهره الخارجي متواضعا ولكنه فخيما ونظيفا وأنيققا من داخله وكان نصيبنا ذلك الفندق الصغير أو رمت بنا اقدارنا إلى فندق اريتري المالكية وهناك فنادق إثيوبية وكينية ويوغندية ولا وجود لاستثمارات فندقية سودانية في عاصمة جنوب السودان رغم الوجود السوداني وخاصة أبناء ولايات دارفور وبحر ابيض العاملين في التجارة بأسواق المدينة التي تنامت في السنوات الماضية واختفت ملامح جوبا القديمة واطل وجه مدينة حديثة تجمع مابين بساطة واناقة إثيوبيا ومابين كدح اليوغنديين ومثابرة الكينيين وشموخ وكبرياء الدينكا ولاتبدوا جوبا مدينة لعوبة ماخورة للبغاء مثل دبي واديس ولكنها مابين علمانية قشرية ومحافظة أفريقية تبدوا جميلة في اكتمال بهائها ركبنا سيارات فارهة جاء بها توت قلواك وداعب مسامعنا صوت عثمان حسين داوم على حبي وبدأ أن المزاج السوداني لايزال مسيطرا على الثقافة الشعبية واللغة العربية هي الوسيط اللغوي الطاغي وسط شعب بدأ التعافي من احقاد ورواسب الحرب الطويلة ونهض جيل جديد يتطلع لجنوب سودان آخر
الأوضاع الاقتصادية في اسوء حالها منذ الانفصال ويشهد الجنيه تدنيا مريعا في سعره مقابل الدولار الأمريكي وتبعا لذلك تنحدر البلاد برمتها نحو الأزمة الخانقة والسير على حافة الهاوية دون أن تسقط فلدولار وامريكي يعادل ثلاثمائة وعشر جنيهات في وقت نضب مال البترول بسبب نزاع السودان الذي تأثر به اقتصاد الجنوب وتدحرج إنتاج البترول الجنوبي من ٣٠٠ الف برميل في اليوم من حقول الوحدة وعدار يل في أعالي النيل ولكن نزاع الجنوب الجنوب اي حرب مشار قد ساهمت في تدهور الإنتاج بنضوب بعض الآبار وتخريب أخرى ليقل الانتاج لنحو مائتين الف برميل يوميا وقامت قيامة السودان جنوبه وشماله بسيطرة قوات الدعم السريع اي الجنجويد على مصفاة الجيلي وخطوط ومحطات الضخ وتبعا لذلك ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية وأخذت في التصاعد ساعة بعد الأخرى وربما شعر قادة جنوب السودان أهمية إطفاء حريق السودان بدء من منطقة جبال النوبة التي سبق للولايات المتحدة الأمريكية أن اتخذتها حقل تجربة لوقف إطلاق النار وبنجاحه مضت نحو اتفاقية سلام ٢٠٠٥ التي لسوء تقدير نخب الشمال وبؤس تدبيرهم ذهب الجنوب إلى سبيله
ويوم غدا الذي يوافق السادس عشر من مايو يعتبر عيدا قوميا لجيش الجنوب وهي ذكرى خروج الأب الروحي للجنوبيين جون قرنق دمبيور إلى الغابة متمردا على الدولة المركزية ونافضا يده عن اتفاقية أديس أبابا ١٩٧٢ التي قضت بإيقاف الحرب وتتذين جوبا بابهي الحلل وترتدي فاخر الثياب رغم قسوة الوضع الاقتصادي للاحتفال بعيد جيشها
وبدأ الفريق سلفاكير ميارديت ممسكا بالسلطة ومسنودا بقاعدة جماهيرية كبيرة في مواجهة آخرين منشقين عن الحركة الشعبية الأصل أبرزهم الزعيم رياك مشار الذي تناقص رصيده في بنك الجماهير بسبب التفاف قيادات نافذة من عشيرته النوير حول سلفاكير أبرزهم توت قلواك الرجل الأكثر فاعلية في كل حكومة سلفاكير والمهموم بقضايا الشان السوداني لم ينسى العشرة ولا الملح والملاح
ولكن اجراء انتخابات في دولة الجنوب في الوقت الراهن يبدوا أمرا صعبا أن لم يكن مستحيلا بعد أن قطع الفرقاء وشركاء الاتفاقية عهدا مع أنفسهم لخوض الانتخابات في كانون ديسمبر المقبل ولكن أطراف جنوب السودان لم تفي بعد باستحقاق الانتخابات العامة والانتخابات الرئاسية وأهم تلك الاستحقاقات التعداد السكاني والاتفاق على الدستور وتكوين مفوضية الانتخابات في جنوب السودان ولما كان الشان السوداني طاغيا علي المناخ في جوبا فإن يوم غدا ربما شهد اول لقاء بين وفدين شعبييين يمثلان إقليم جبال النوبة أحدهم قادم من كادقلي مجازا والآخر قادم من كاوده

              يوسف عبد المنان 

؛

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى