(يروى أن) الامين علي حسن يكتب … كرري والمهندسين .. عناق النيلين
بعد التقاء ابطال وادي سيدنا واسود المهندسين اختلطت المشاعر وتعالت زغاريد الحسان وتكبيرات الرجال وذرف الابطال دموع الفرح.
فتفرست الوجوه الوضيئة جيداً.
هذا الطاهر بانقا بقفشاته التي لا تعرف سلما او حربا، الطاهر هو الطاهر يروح عن هذا ويواسي هذا ويساند ذاك.
هناك يعلو صوت ابن عمر بالتكبير والتهليل بجديته وصدقه الذي لا يتخلى عنه.. بالقرب منه اويس الزاهد العابد الورع يلوح بسلاحه ويبشر بالنصر فرغم الاصابات والمواجع الا انه عاد مصرا على اكمال المسيرة وتحقيق النصر مع اخوانه.
هناك فرحات ود العمدة ينتحب وتغالبه دمعات الفرح في حالة لا ارادية كانت تلك الدمعة الغالية ابكت كل الصادقين من ابناء السودان.. جنودنا السمر من ابناء القوات المسلحة يتعانقون مع اخوانهم الذين غابوا عنهم لعشرة شهور كاملة.. هنا لا فرق بين ضابط وجندي فالكل هنا تداخلت لديه المشاعر وظل يقاوم عبرة الفرح التي تملا صدره.
هنا العناق الذي عنته رائعة الكابلي عليه الرحمة:
(كتراب الحقلِ كحفنة ماءْ
كعناق صديقينِ عزيزينِ
كملابسِ جنديٍّ مجروحٍ
مطعونٍ بين الكتفينِ).
الصورة هنا كعناق النيل الازرق والابيض عندنا في الخرطوم فكل منهما قطع المسافات البعيدة وقاوم الظروف والتضاريس والمتغيرات ليحيي الارض البكر بخيره المتدفق .
هؤلاء السمر الميامين كم من شهيد فقدوا وكم من جريح منعته اصابته من ان يرافقهم في هذه الرحلة الميمونة وكم من الطعنات تلقوا ولكنهم صبروا ورابطوا حتى هذه اللحظة لذلك كانت الدموع صادقة والانفعالات معبرة.
غاب عن هذا العناق الصادق الشهيد المقدم لقمان بعد ان فتح الطريق بجسارة وقدم نفسه فداء لياتي العابرون يقتفون اثره الذي يبدو ظاهرا على الصخر واثار دمه الطاهر تقول من هنا مر شهيد .
غاب الشهيد حذيفة اسطنبول الابنوسي الزاهد التقي الورع. قلت في نفسي لو كان حاضرا لخاطبهم هنا بصوته الجهور وعباراته الصادقة وكأني اسمعه يقول ما تحقق ليس بقوتنا ولا مهاراتنا ولا قوة سلاحنا ولكنه بفضل خالقنا فاكثرو من الشكر والحمد واعلموا ان الامر كله بيده له الحمد وله الشكر.
غاب الشهيد ود الفضل والذي كان يرجع اليه اخوانه في التأصيل والتأويل والمقاربة والاجتهاد، بلا شك لو كان هنا لكبر وهلل وخطب مؤصلا ومذكرا بحركة التاريخ وانتصارات الصادقين فالامثال والقصص عنده عبر وعظات .
غاب كثيرون عن هذا اليوم ذهبوا إلى ربهم شهداء امثال الشهيد ايمن والشهيد عثمان مكاوي والشهيد احمد اسماعيل والشهيد ابن عوف وغيرهم من الصادقين ضباط وضباط صف في القوات المسلحة والشرطة والامن والمتطوعين .
همست سرا وكم تمنيت ان يكون همسي جهرا وان يسمعه هؤلاء الابطال وهم يتعانقون ويكبرون ويهللون فرحا ان اوصلوا عنا التحايا للمرابطين في تكساس (سلاح المهندسين)، ستسمعون عنهم قصصا وحكايات دارت احداثها خلال اكثر من عشرة شهور وهم يرابطون هنا.. ستجدون رجلا يحمل مسبحته ويطوف على الدفاع ليلا ومساء وعندما يحمي الوطيس يحمل كلاشه مقاتلا ومدافعا، علم ابناءه هنا معنى الرباط والصبر فلا غرابة هو اللواء الظافر قائد سلاح المهندسين هو وبقية القادة والضباط هنا قدموا درسا نحتاج ان نعلمه لاطفالنا عن التضحية والصمود .
بين هؤلاء الصادقين هناك ابنوسي ممشوق يمشي مرفوع الرأس، فقد والدته قبل شهور ولكنه رفض الخروج او الذهاب للتعزية ولكنه اقسم ان يكون مرابطا حتى النصر او الشهادة المقدم محمد حماد وامثاله كثر لم تصلنا قصصهم ولكنها تعبر عن الوطنية والصبر والتضحية وحب تراب هذا الوطن.
على جدران سلاح المهندسين ستجدون اثار الرصاص الذي كان ينهمر صباحا ومساء وبقايا الدانات والقنابل هي الاخرى تتواجد بكثرة بالداخل والخارج ولكن كانت تقابل بعزيمة لا تلين وصلابة لا تعرف المستحيل.
سيجلس ابطال تكساس يحكون القصص والطرائف والحكايات لابطال كرري وبلا شك هم ايضا سيتعرفون على قصة تحدي ومواجهة المخاطر وكيف خاض هؤلاء الابطال النار من جبال كرري وحتى وصلوا منطقة المهندسين.
هذه الحكايات والقصص الملهمة ستحكى في لحظة الترويح قبل الوثبة الثانية والتي سيؤذن بعد مؤذن ان هلموا يا أهل ام درمان لا خطر عليكم ومن دخلها كأنما دخل دار ابوسفيان فهو امن، زال الخطر وذهب الخوف بفضل الله.
بعد هذا اللقاء ومثل ما فرح اهل ام درمان القديمة وخروجوا رجالا ونساء. فهناك من ينتظر في صالحة والفتيحاب وابو سعد وعموم امبدة ودار السلام وغيرها قبل ان يمتد الزحف المبارك غربا للجنينة ونيالا والضعين وزالنجي وحينها سيكون الفرح الاكبر بل سنجعله يوما وطنيا نحيي ذكراه كل عام ونورثه للأجيال. سنغني
(كل أجزائه لنا وطن اذ نباهي به ونفتتن).