(يروى أن) الأمين علي حسن يكتب … الكتابة.. بطعم الحزن
الأمين
الأديب والباحث عبيد الطيب المقدم يكتب ناعياً الناظر الراحل التوم حسن التوم ناظر عموم الكبابيش وهو في غربته بالمملكة العربية السعودية فيرسم لوحة من الحزن والوفاء فتواصلت معه مواسياً ومعزياً لما أعلمه من صداقة وعلاقة مودة بينه والراحل.
فكان يقول لي قاتل الله الغربة حتى الحزن تجعله بلا طعم، لا تجد من تبكي معه وتخرج ما في صدرك في حضرته.
كنت استغرب من عبارة الحزن المسيخ وهل فعلا الغربة بهذه القسوة.
حتى أبلغني الناعي خبر وفاة شقيقي الأكبر مطلع الاسبوع الماضي.
وأنا في غربتي التي حتى اللحظة لا أجد لها تعريفاً، هي اختيارية أم إجبارية؟، كل الذي أعرفه أنني تركت وطناً مزّقته الجراح والآلام وذهبت أبحث عن الرزق الحلال.. ورغم تسليمي الكامل بأن الموت حق وأن الدوام لله وحده ولا اعتراض على حكم الله، لكنني ظللت جالساً صامتاً وكأني لم استوعب الخبر.
بعده بثوانٍ تحركت خطوة في كل الاتجاهات ولكن دون جدوى، وكأني ابحث من خلال خطواتي المثقلة الى من يكذب لي الخبر او يقول لي انها احلام او اضغاث احلام او ربما جنون . بحثت عن من اعانقه او ابكي معه او اشكي له اوجاعي كلها حالات ارادية تداخلت فيها الصور والمشاهد .
أردت البكاء ولكني فشلت، تأملت الخبر والنعي مرات ومرات ولكنني مازلت شارداً.
جلست وكأن سواداً حجب عني الرؤية أو إظلامٌ حل بي ولكن مازلت متحجراً، لا بكاء ولا دموع، أبلغت أحد أصدقائي الحاضرين بطريقة ما ولكن لا أذكر ما قلته له بالتحديد.
وبعدها أبلغ صديقي هذا بقية الأصدقاء والأقارب.. توافد الناس إليّ ومن بينهم حضر الخال ميرغني حسن الفكي وكأنه أتاني يحمل دمعاً أو جاء ليقول لي إبكِ وبحرقة.. أفرغ ما بداخلك.. أمسكت به وبكيت بطريقة لم أبكها أحداً من قبل.
هنا عرفت ماذا كان يقصد ود المقدم بأن الغربة بتمسخ حتى الحزن.
في تلك اللحظة سرحت بخاطري بعيداً وكأني أسمعُ أصوات الباكين وأرى وجوه المعزين وأشاهد دموع المودعين.
وحضرت صورة الحزن التي رسمها عمنا الباقر ود أبو زهرة عندما رثا صديقه:
رفيقي الفنجري الفارقتو عيل بالزيني
يوم خبرو الجاني النوم شرد من عيني
الدنيا أم قدود عندك طبايعاً شيني
وشلتي الراجل البفدوه براجليني
ليته قال الدمع شرد من عيني..
للحظات ظللت متنازعاً متسائلاً عن الحال هناك ماذا حل بهم، الوالد الوالدة، الأخوات الخالات العمات الأقارب، كيف استقبلوا الخبر ماذا فعلوا، كيف تدبروا أمرهم؟!.
وكانت واحدة من الأوجاع والآلام فقدان الشبكة وكيفية التواصل ولكن لله الحمد والشكر، لاحقاً بعد التواصل معهم وجدتهم صابرين محتسبين مسلمين بقضاء الله وقدره.
فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه إلا هو.
الآن وجدت لتماضر الخنساء بنت عمر عذراً وسبباً كافياً يجعلها تبكي على صخر لأطول فترة ممكنة:
يَوماً بِأَوجَدَ مِنّي يَومَ فارَقَني
صَخرٌ وَلِلدَهرِ إِحلاءٌ وَإِمرارُ
وَإِنَّ صَخراً لَوالِينا وَسَيِّدُنا
وَإِنَّ صَخراً إِذا نَشتو لَنَحّارُ
وهو كذلك لم يكن محمد مجرد شقيق بل كان صديقاً وخازن أسرار وموجه وأب ومرشد.
هو الذي تحمل المسؤولية من الوالد منذ سنوات وأصبح رب البيت والركيزة والقائد المهموم بأهله وأسرته. ضحى بكل شئ، حياته ووقته ومستقبله من أجلنا.
عزاؤنا أنه ترك سيرةً طيبةً سنظل نذكره بها إلى نلحق به.
فقده لم نشعر به وحدنا بل أصدقاؤه ومعارفه وأهله، كل ما تواصل معي أحد أصدقائه لم استطع تمالك نفسي وتنزل دموعي بلا انقطاع لأني أسمع صوته وأرى صورته وتفاصيله من خلال أصدقائه رغم أن الغربة حرمتني ومنعتني من أن احتضنهم وأبكي معهم أو أفرغ ما يجيش بداخلي من ألمٍ وحرقة وحزن ولكنها أقدار الله التي لا مفر منها.
شكراً لكل الأهل والأقارب والأصدقاء والمعارف الذين وقفوا معي هنا في قطر وخففوا عني الكثير وكانوا أهل واجب..
شكراً للأصدقاء والأحباب الذين لم يتركوا الأسرة أو يبتعدوا للحظة واحدة. أنا عاجز عن شكرهم أو رد الجميل لهم.. لا أملك إلا أن أقول لا يريكم الله مكروهاً في عزيزٍ لديكم.
الحمد لله رب العالمين والدوام لله وحده ولا نقول إلا ما يرضي الله.
(إنا لله وإنا إليه راجعون).