علم الدين عمر يكتب … رئيس الوزراء..الطلقة الأخيرة للأهداف الثلاثة
.. ثم طفقت الدوائر تتداخل ووتقاطع في بحثها المحموم عن ترجيح كفة فلان ودعم علان لرئاسة وزراء الإنتقال العاصف في السودان..مرض الساحة القديم المتجدد ..إذ كلما لاحت في الأفق سانحة تشكيل وزاري أو تكليف .. حرباً وسلماً..سراً وعلانية سودت الصحائف والقراطيس والأسافير بمداد الترشيح والدعم ..وعلت نبرة الحملات الموجهة ..المدفوعة بالدولار أو العاطفة ..وعلي حركة الرمال الملتهبة في السودان ظلت هذه الدعائيات حاضرة وثابتة لا تستثني في حضورها الطاغي زمهرير الشتاء ولا حمارة القايلة ولا حقول القمح أو (نشنكة ) البندقية ..حملات تستهدف الأشخاص لا البرامج ..ويقودها مدراء المكاتب وأفندية الدواوين ويوجهها صحفيو الزمان (المجوبك) بين اليقظة والأحلام ..
رئاسة الوزراء في سودان اليوم ليست نزهة تنتهي بتشكيل حكومة من بعض الأفندية ليؤدوا القسم أمام رئيس مجلس السيادة ورئيس القضاء إنما هو تحدي بالغ الصعوبة والتعقيد تتقاذفه رياح الفشل من كل جانب وهو بالضبط أشبه بطلقة أخيرة في بندقية مقاتل في مواجهة ثلاثة أهداف لابد له من تفكيكها جميعاً..الهدف الأول خلق برنامج تنفيذي قصير ورشيق ومتفق عليه لدعم القوات النظامية في عملياتها العسكرية لإنهاء التمرد وقيادة الجناح المدني للدولة للعمل وفق هذا الموجه دون تردد وإستعادة زمام المبادرة المدنية في الجهاز التنفيذي لإدارة
إقتصاد الحرب ومجتمع الحرب وخدمات الحرب وتعزيز روح المسؤولية الوطنية أثناء الحرب ..
أما الهدف الثاني فهو العمل الفوري والمباشر علي برنامج واضح وجدي محترف علي مسار العلاقات الخارجية للسودان علي أساس المصالح المجردة وإستبعاد أي أبعاد عاطفية للخطاب الخارجي والإبتعاد تماماً عن سياسة مغازلة المحاور المتعددة التي تشبه اللعب علي الحبال في سفوح الهملايا وإستعادة هوية الخارجية السودانية وإستقطاب عدد كافي من الدبلوماسيين الأكفاء من داخل الخارجية ومن خارجها وإعلاء نبرة التميز التاريخي للخطاب الدبلوماسي السوداني مع تقوية مراكز إسناد القرار التي أعلم أن لها خبرات تراكمية بالغة الأهمية حاولت حكومات قحت سيئة الذكر إنهاء وجودها (راجع إحتلال المتمرد حميدتي لمباني أكاديمة الأمن العليا بسوبا قبل الحرب) والعبث بملفات هذه الأكاديمية ومراكزها الحافلة بالمرجعيات الإستراتيجية المذهلة للناس والأحداث.
الهدف الثالث الذي لابد من تضمينه مرمي نيران الرصاصة الوحيدة هو تدابير المؤتمر الدستوري الجامع للقوي المدنية السودانية ببلورة كل المبادرات الداخلية والخارجية المطروحة في الساحة وصياغتها في شكل برنامج وطني واحد يعكف عليه الخبراء ممن تجاوزوا فكرة التكتيك السياسي أو التكليف الوزاري وما أكثرهم ..ليحددوا مسار الفترة الإنتقالية بتفاصيل التفاصيل عطفاً علي تجربة الإنتقال الفاشلة السابقة التي قادت لهذه الحرب المدمرة للدولة والمجتمع السوداني وعزل هذه النقاشات تماماً عن تقاطعات العمل الميداني ويوميات الحرب والتخبط السياسي الذي تقوم به القوي المختلفة مع إتاحة الفرصة لها للإتصال بمن تريد داخل وخارج السودان والإستعانة في ذلك بالخبراء السودانيين بالمؤسسات الإقليمية والدولية ومراكز البحوث والجامعات والهيئات وقدامي العسكريين والدبلوماسيين بغض النظر عن مرجعياتهم السياسية.
ولذلك في تقديري لابد لرئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة ألا يكون منتمياً بصورة هيكلية لأي جسم سياسي أو عسكري قائم اليوم .
لابد له ألا يكون علي علاقة مؤسسية بأزمة السودان التاريخية في النخب السياسية والمرجعيات البرامجية الموجودة.
لابد ألا يكون لديه جسم تشاوري قائم اليوم يعيده في مرحلة ما لمربع الإلتزام الضيق .
لابد لرئيس الوزراء الجديد أن يكون شخصية مستقلة ..مقبولة .. ولم يسبق له أن كان جزءاً من صراع السلطة بالسودان لا من منطلقات شخصية ولا تنظيمية ولا مناطقية ولا مطلبية ..فكل هذه كوابح ستعيد إنتاج الأزمة وستنطلق عليها الطلقة الأخيرة التي تمثل أمل السودانيين الأخير في بناء دولتهم ولملمة جراحاتهم .
نعود تفصيلاً ..