علم الدين عمر يكتب … القوي السياسية .. رد الفعل ما ببقي فعل!!
..والأزمة السودانية الممتدة تاريخياً منذ سنوات تدخل عامها الثاني في نسختها التدميرية لا تجد القوي السياسية والمدنية السودانية إلا أن تكون رد فعل لمواقف بعضها ..
حين تدخل الشباب بوطنية باذخة من مختلف التيارات في الحرب إلي جانب القوات المسلحة لم تجد حواضنهم السياسية إلا أن تشتم بعضها بذلك وتجر الساحة لصراع سياسي يتجاوز الحرب والدمار والتدمير الممنهج للبني التحتية والقتل والسحل والإغتصاب ..وحينما طرحت بعض القوي برامجها لإنهاء الحرب والبحث عن حلول مدنية أنقسم الملعب السوداني لأبطال وخونة ..ثم مضت الحرب ومضي تمرد المليشيا في التدمير .
عندما أستجاب الناس لنداء الإستنفار والمقاومة الشعبية سعت القوي السياسية لتصنيف المستنفرين بمختلف إتجاهاتهم السياسية والإجتماعية من إسلاميين للجان مقاومة ولتشكيلات الثورة المعلومة ..
قامت الحرية والتغيير (بغض النظر عن كثير من التفاصيل ) بحراك مدني داخل وخارج السودان فبنت أغلب القوي الأخري مواقفها علي هذا الحراك واستخدمت قلم (الرصاص) الحي في بناء برنامجها عليه ..كرد فعل ..
فأقامت الحرية والتغيير الأخري مؤتمرها (الموؤود) في القاهرة الذي أصرت بعض مكوناته علي أن يوقع فيه رؤساء الكتل وليس الأحزاب والجماعات والحركات فتمرتس الآخرون وراء ضرورة توقيعهم منفردين حتي لا تخرج أسماء كبيرة من متعة فتح الأقلام وإهراق المداد ثم نقضت غزلها قبل أن يفض ..فلحقتها تقدم بمؤتمر ذات الكراسي الفضيحة بأديس أبابا ..
ثم تحرك تيار آخر فألتقي البرهان في بورتسودان ليلحق بحملة ردود الأفعال حتي لا يقال أنهم بلا ردة فعل .
ولكن هل يعلم السادة قادة القوي السياسية والمدنية السودانية أنهم فعلاً حتي الآن وبعد مضي نيف وعام علي الحرب المدمرة في السودان بلا أي برنامج وطني حقيقي يمكن الركون إليه أو إعتباره بادرة يمكن التأسيس عليها لإستعادة العمل المدني في السودان ودعم إستمرار وجود الدولة ؟ هل تعلم هذه القوي من أقصي اليمين لأدني اليسار أنها قد أصبحت مجرد هياكل نخبوية بلا جماهير ولا برامج ولا آليات ..ولا مستقبل.
هل يعي هؤلاء الرجال وأؤلئك النسوة أنهم يغردون الآن خارج سرب البرنامج الوطني في حده الأدني وأنهم تحولوا فعلاً لآلات رد فعل تلقائي لمواقف الآخرين بينما تقاتل القوات المسلحة منفردة علي الصعيدين العسكري والمدني؟
حتي الدعوة المصرية لمؤتمر مدني سوداني في نسختها المعدلة الحالية لم تجد كثير من الدوائر .. وللأسف علي رأسها وزارة الخارجية السودانية إلا أن تبحث بين طياتها عن نقاط الخلاف فتثيرها علي الملأ ..وكان الأوفق لو قامت الخارجية تحديداً بالتواصل المباشر مع السلطات المصرية عبر القنوات المعلومة بدل هذا التحفظ الباهت علي منطقيته ..فرد الفعل لا يجوز في حق هذه الوزارة ذات الإرث الضارب في جذور التاريخ والتميز ..
حزب الأمة القومي كله ..بمختلف تياراته تحول لمستودع كبير لردود الأفعال ..فتنكر أمينه العام المكلف لرفقاء الدرب والسلاح كعسكري سابق وتحول لخانة رد الفعل علي مواقف آل المهدي وأبناء الإمام الراحل الصادق المهدي من الحرب فتنصلت أمانات الحزب ومكاتبه في أغلب ولايات السودان عن إلتزامها تجاه رئاسة برمة ..حتي أن نائبة رئيس الحزب وأبنة الإمام الدكتورة مريم الصادق روست أحد بياناتها الشهيرة بمكتب نائب الرئيس المنتخب الإمام الصادق المهدي في إشارة لعدم إعترافها برئاسة برمة ناصر كرد فعل علي تجاوزها كما الآخرين في حفلة ذات الكراسي وقهوتها التي علي حساب صاحبها.
تيارات الإتحاديين المختلفة لم تجد في مبادرة الزعيم إسماعيل الأزهري لتجميع كل التيارات السودانية لإعلان الإستقلال من داخل البرلمان قدوة في الخروج عن دائرة رد الفعل..
لماذا لا تقدم الكيانات والأحزاب والتكتلات والفئات مبادراتها وبرامجها بمعزل عن مواقف الآخرين حتي يتم تجميعها والعمل عليها من جانب الوسطاء الذين أعيتهم الساحة السودانية بتناقضاتها وقادتها ومنسوبيها ..ولماذا تستمر حملة تجريم الآخر كلما وقف موقفاً أو إنتوي تقديم مرافعة لرؤيته للناس والأحداث..؟؟
السؤال الأبرز الأقدم الأخطر في تاريخ السودان ومستقبله.
نعود تفصيلاً بإذن الله