ضياء الدين سليمان محمود يكتب … في ذكرى سقوط الإنقاذ … ضيعناك وضعنا وراك

*في مثل هذا اليوم تحديداً عندما انتهت أيام الانقاذ وقبل خمس سنوات دوّنت منشوراً على الفيسبوك ذكرت فيه أن الإنقاذ حقبة قد مضت وان على الجميع أن يسلّم بهذه الحقيقة التي أصبحت واقعاً ماثلاً وانه على انصار الحركة الاسلامية وتيارها الوطني العريض أن يمضوا الي تنفيذ برامجهم السياسية بعيداً عن السلطة في البلاد.
*ذكرت ايضاً أن الإنقاذ وانصارها في حاجة لإجراء مراجعات شاملة لتجربة حكم امتدت ثلاثين عاماً قدمت فيها من الانجازات ما يفوق الخيال في كثير من المجالات واخفقت كذلك في كثير من الجوانب حالها حال كل التجارب الإنسانية التي تخضع لاحتمالات الصواب والخطأ
*كتبت ذلك بمداد ودعوات قلبية صادقة بأن يمضي القادمون ما بعد الانقاذ الي تأسيس واقع جديد يعالج كل اوجه القصور التي لازمت سنوات الانقاذ هذا مع التعزيز على جوانبها الايجابية وان تكون البداية من المحطة التي توقف عندها قطار الإنقاذ وهي الازمة الاقتصادية ومعالجة معاش الناس دون اللجوء الي تصفية الحسابات و(فش الغبينة) حفاظاً على تماسك اللحمة السودانية ووحدة نسيجها السياسي والاجتماعي
*انهال على البوست عدد هائل من المعلقين كالوا لي وابل من الشتائم والاساءات لم اسلم حتى من اقرب الأصدقاء الذين خاضوا في (حفلة الشواء) تلك الا أن قناعتي في تلك الفترة كانت راسخة بأنهم جميعاً في حالة هياج ثوري فلا مجال للحديث في تلك الفترة أو كما يقول المفكر الفرنسي (غوستاف لوبون) عند الثورات إياك وان تتحدث لأحدهم لان الجميع في حالة هياج ثوري.
*كتبت ذلك وكان العنفوان الثوري في قمته والجميع كانوا في حالة هياج ثوري يتلمظون غيظاً وتغلي في دواخلهم حمم وبراكين الكراهية للكيزان ونظامهم الذي سقط ، كانت تُغذّيهم قصائد محمد الحسن سالم حميد ومحجوب شريف لتمثل عندهم مزيجاً من المخدر الفعال والتغذية العاطفية
*لم يكن هنالك مجالاً للتعقل والحديث العاقل ولم يكلف كارهي الكيزان في ذلك الوقت أنفسهم بأن يجرو مقارنات موضوعية كيف كان الوضع ماقبل الإنقاذ في المجال الفلاني وماذا حدث في هذا المجال بعد ان جاءت الانقاذ، كانت هتافات (تسقط بس) هي خيارهم الاستراتيجي لذلك لم يرسموا ملامح المستقبل السياسي في البلاد الذي سيتجاوز بالناس محطة الإنقاذ الي رحاب وطن آمن ، متطور، مستقر ينعم شعبه بالعيش الكريم ولكنهم وببساطة كانوا يكبلون انفسهم داخل سور من خطاب الكراهية لايتحركون الا داخله فقط
*مضت الإنقاذ الي ربها وتوزع قادتها مابين سجين طوال تلك الفترة وما بين مفصول من وظيفته وملاحق في حريته وجلس على سلطة البلاد حكومة سرعان ما تكشّف وجهها الكالح فبعد كل هذا وبعد أن مرت خمس سنوات فقط ودون أن أغرق في مستنقع انتمائي الضيّق كان السؤال شاخصاً امام الشعب السوداني كيف حال السودان بعد ان ذهبت الإنقاذ وتفرقت بأهلها السبل ؟؟
بل أين هو السودان ذات نفسه؟؟
أين الأمن والاستقرار والسلام والطمأنينة ؟
أين المنازل والحيشان والقلوب الصافية والضمائر الحليب ؟؟
أين الضحكة والبسمة والحنية والمقالدة أين الاهل والاحباب والأصحاب والجيران؟؟
أين نحن ؟؟
أين اموالنا، سيارتنا، دهبنا، أين شرف حرائرنا الذي انتهك في رابعة النهار
يا الهي صرنا نازحين أن لم نكن في خارج السودان صرنا نازحين داخله
حالنا يغني عن كل تلك الأسئلة
*وأهم من ظنّ أن مايحدث الان من حرب بمعزل من المخطط الكبير الذي بدأ تنفيذه بإسقاط الإنقاذ وهو الذي ستكشف عنه الأيام والسنين.
*تصدق يا عزيزي انه قد مرت خمس سنوات فقط على سقوط الإنقاذ وابتعاد الاسلاميين عن المشهد ، فقط خمس سنوات ولكنها في عداد الألم الذي يعيشه الشعب السوداني خمس قرون
*خمس سنوات فقط ولكنهم نحتوها على جدران التاريخ وعلى ملامح السودانيين وكأنها خمسين سنة فيها تم دمار لكل شيئ كان يمثل نفعاً للناس، تراجعت فيها البلاد القهقري فما ماعاد أحدهم قادراً علي العيش حتى أن أكثرهم هياجاً في ليلة سقوط الإنقاذ فإذا قُدّر له ملاقاة الرئيس البشير ( فك الله أسره ) لاحتضنه وبكى ثم تغنى ( ضيعناك وضعنا وراك )