(شوكة حوت) ياسر محمود يكتب … الخرطوم لمتين العودة تانى
*لو كانت هناك مدينة مقدسة عند السودانيين بعد مكة والمدينة لكانت العاصمة السودانية الخرطوم التى جمعت فأوعت وإحتوت كل شرائح المجتمع السودانى وهى أحب ارض الله الى نفوسهم فيها لهم قصص وحكايا ومعانى وما أجمل أن يتنفس صبح الخرطوم بمدنها الثلاث وتتعالى أصوات المآذن من مساجدها وتسمع أم درمان مدينة بحرى وتسمع بحرى الخرطوم ويتسابق المصلون نحو المساجد لا يخشون إلا الله يخرجون للمساجد وهم لا يحملون إلا هموم حياتهم لكنهم يشعرون بقدر كبير من الآمان بالرغم من الشعور العام فى السنوات العشر الأخيرة من ضيق فى كسب سبل العيش لكن التوكل على الله والسعى وراء كسب اللقمة الحلال ينسى هذه المعاناة طالما أن الإنسان يخرج من بيته صباحا ويعود آخر اليوم ويجد أسرته ترفل فى حلل الأمن والطمأنينة ويتقاسمون الإبتسامة والمعاناة ويتقاسمون اللقمة على قلتها وتواضعها لكنهم يعيشون الستر داخل بيوتهم ويتبادلون الآراء والأفكار ويتفقدون أحوالهم.
*ما أجمل وأروع وأبهى من الخرطوم عندما يخرج الطلاب نحو مدارسهم وجامعاتهم وهم ممتلؤون نشاط وحيوية يحلمون بمستقبل أجمل وما اجمل منظر الذاهبون الى أماكن عملهم من عامة الناس وهم يتوقفون صباحا فى موقف جاكسون والشهداء وصابرين وسوق بحرى والسوق العربى وسوق (٦) وهم يتحلقون حول بائع الصحف ليطالعوا عناوين الصحف من أجل معرفة آخر الأحداث وآخر التطورات ثم ينصرفون وما أجمل منظر الحافلات والبصات العاملة فى خطوط المواصلات رغم رداءتها ورغم الزحمة المرورية فى الطرقات وهى تمخر عباب المعاناة وتدوس على الأوجاع ويمكن أن تتأخر عن مواعيد العمل بسبب تعطل عربة فى أحدى كبارى الخرطوم السبع ورغم هذه المعاناة وهذا الضنك وهذه المسغبة كانت الخرطوم هى القبلة والملاذ ساعة المحن حتى المتأثرين بالصراعات فى أطراف السودان المختلفة كانوا يطلبون الأمن والأمان فى الخرطوم ويختصرون كل المعانى ولسان حالهم يردد فى صمت جهير من دخل الخرطوم فهو آمن حتى دخلها شيطان الخراب فى السنوات الأخيرة.
*تتجلى الخرطوم فى جمالها وروعتها المخبؤة عندما تمر بشارع النيل أو شارع المطار أو شارع الأبراج ولا تلقى بالا لروعة وجمال المناظر التى تمر بها لأن الأعين تعودت على هذه المناظر لكن هناك من يتربصون الدوائر ويحسدون الشعب السودانى على هذه النعم والخيرات التى ينعمون بها ومن المعتاد فى الخرطوم أن تخرج بعد منتصف الليل لتلحق تشييع جنازة بمقابر حمدالنيل او مقابر الصحافة أو البندارى او أى مدفن من مدافن الخرطوم وتعود فى الساعات الأولى من الصباح وأنت منشرح الصدر مطمئن النفس بأنك قمت بواجب إجتماعى مستحق كانت الخرطوم تستقبل عشرات الطائرات بمطارها الدولى مئات المسافرين وآلاف المودعين منهم من يذرف دموع الوداع وينتظر لحظات التلاقى مجددا وآخرين يجملون الحياة ويلونونها بابهى وأنضر الصور الخرطوم هى خليط من الأشياء الفرح والحزن والمعاناة والقبح والجمال والعدل والطغيان والإلفة والمحنة والخصام هكذا كانت الخرطوم رغم كل الأشياء .
نــــــــــــص شـــــــــوكة
فجعت الخرطوم ذات صباح فى يوم سبت غير اخضر وصمت آذانها أصوات السلاح فى الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣ وخرج الناس من بيوتهم غير مصدقين مذهولين مما تشاهد اعينهم تسابق احلامهم ارجلهم بحثا عن النجاة وهكذا أفرغت الخرطوم وتفرق اهلها ما بين نازح ولاجئ فى رحلة نحو المجهول.
ربــــــــــــع شــــــــوكــة
حتى وإن عادت المياه الى مجاريها فى الخرطوم فإنها ستكون غير صالحة للشرب ورغما عن ذلك تظل القلوب معلقة بها والألسن تهتف سرا وجهرا يا الخرطوم لمتين العودة تانى؟.
yassir.mahmoud71@gmail.com