د. مزمل أبو القاسم يكتب… حميدتي .. خطاب العار والإنكار!
د. مزمل أبو القاسم
لا ندري بِمَ نصف الخطاب الذي ألقاه قائد المليشيا بمناسبة أعياد استقلال الدولة التي سعى وجدَّ واجتهد في هدم بنيانها وتقويض أركانها.. دولة 56 التي وضع علمها على يمينه المخضبة بدماء أهل السودان، وخاطب شعبها المنكوب بأمره، المقتول برصاص مليشياته، المشرد بانتهاكات مجرميه.
من سخرية الأقدار أن يتحدث مجرم الحرب وسافك الدماء وقاتل الأبرياء وهاتك الأعراض عن الأمن والاستقرار والديمقراطية والتحول المدني والعدالة والسلام.
عن أي أمنٍ يتحدث من أهدر طمأنينة ملايين السودانيين، وقتل أبناءهم، واستحى نساءهم، ونهب أموالهم وممتلكاتهم؟
عن أي استقرار يتشدق من تسبب في تحويل أكثر من نصف أهل السودان إلى مشردين ونازحين ولاجئين وأفقدهم كل ما يملكون، وطردهم من بيوتهم وأسكن فيها أوباشه المجرمين، فدنسوها ونهبوها وأورثوا أهلها الحزن والفقر والعوز والألم والنزوح واللجوء والتشرد والدماء والدموع؟
عن أي ديمقراطية يتحدث مجرم الحرب حميدتي؟
كيف يمكن للديمقراطية أن تتحقق بالقتل والسلب والنهب والخطف والاغتصاب والتصفيات العرقية وتدمير البنيات الأساسية واحتلال مؤسسات الدولة ونهبها وسرقة أموال المواطنين وممتلكاتهم؟
عن أي تحول مدني يتحدث من انبنى تاريخه كله على إشهار البنادق في وجوه المدنيين العُزّل وقتلهم بدم بارد.. وكيف يمكن للتحول المدني المزعوم أن يتم باجتياح القرى واحتلال المدن وترويع أهلها وقتلهم وطردهم من منازلهم وسرقة متاجرهم وأسواقهم وبيوتهم وبنوكهم وسلبهم كل ممتلكاتهم؟
عن أي عدالة يتشدق من اقتحم السجون وأخلاها من نزلائها وجنَّد القتلة وعتاة المجرمين في صفوف قواته التي لا تعرف سوى القتل والنهب والسلب.. وكيف يتحدث عن العدالة من احتلت قواته مجمعات المحاكم ومقار النيابة وأقسام الشرطة وقوضت ونهبت وحرقت ودمرت كل مؤسسات العدالة في البلاد؟
عن أي سلام مستدام يتحدث مجرم الحرب وسفّاك دماء الأبرياء في الخرطوم والجنينة وأردمتا ونيالا وزالنجي وكُتم وكاس وطويلة ومورني ومليط وكبكابية والمسيد وألتي والتكلة والكاسنجر ورفاعة والحصاحيصا والكاملين والقطينة وحنتوب الجميلة ومدني الغضة والمدينة عرب والحاج عبد الله وغيرها من مدن وقرى وحلّال السودان التي أحالت قوات القتل السريع نهاراً ليلاً، وأمنها خوفاً، وأفراحها أحزاناً، وعمارها دماراً، واستقرارها نزوحاً وتشرداً ولجوءاً، وضحكات أطفالها دموعاً، وزغاريد نسائها بكاءً؟
كيف ينكر هذا المجرم المعتدي الأثيم فعائل قواته وانتهاكات جنجويده ليزعم أنه بسط السلام في أرجاء دارفور بعد أن حرقها بنيرانه وقتل أهلها ودفن بعضهم أحياء، واغتصب نساءها وسباهنَّ وباعهن مثل الإماء.. كيف يدعي أن دارفور المدمرة الباكية المتشحة بالسواد والآلام باتت تنعم بالسلام تحت إمرة مليشياته التي ما دخلت مدينةً أو قرية إلا فرّ منها الناس فرار الصحيح من المجزوم والأجرب؟
من المثير للسخرية أن يمعن هذا المجرم الأثيم في إنكار جرائم قتلته ونهابيه، لينسبها إلى (متفلتين) وهميين.. فمدني التي يتباكى عليها وينكر ما حدث فيها من جرائم مروعة وانتهاكات موجعة؛ لم تعرف الخوف ولا القتل ولا السلب ولا النهب ولا النزوح والتشرد إلا بعد أن اقتحمها (الأشاوس) المزعومون، فوقعوا في أهلها تقتيلاً وسلباً ونهباً واغتصاباً وأجبروهم على مفارقة دورهم ووداع مدينةٍ وادعة أحالها الأوباش إلى جحيم.
كيف يجرؤ حميدتي على تهنئة الطوائف المسيحية بأعياد الميلاد، بعد أن اقتحمت قواته المجرمة الكنائس وأطلقت الرصاص على القساوسة واغتصبت الراهبات ونهبت الكنائس ودمرتها وأحالت بعضها إلى ثكنات عسكرية وخضبتها بالدماء وأسكتت أجراسها وحظرت ترانيمها الجميلة؟
من المضحكات المبكيات أن يتشدق مجرم الحرب عن محاربة خطاب الكراهية، بينما تمعن قواته في القتل على أساس العرق واللون والقبيلة، مثلما فعلت مع أبناء قبيلة المساليت في الجنينة وأردمتا، ومع أبناء قبيلة الفور في نيالا وزالنجي، ومثلما يفعل أبواقه الذين ظلوا يتوعدون أهل الشمال بالغزو والقتل والسحل منذ أن بدأ قائدهم حربه المجنونة في منتصف شهر أبريل الماضي؟
وعن أي جيش واحد يتحدث.. هل يتوهم أن أهل السودان سيقبلون وجود مرتزقته (قتلة الأبرياء ومفاصلي النساء) في جيشهم الوطني.. أو يرضون به أو بمناصريه الذين لا يقلون عنه إجراماً وخيانةً في أي عملية سياسية مقبلة؟
كيف يحلم هذا القاتل الغاصب بأن يحكم أهل السودان بعد أن سقاهم المُر وجرّعهم الحنظل ودمر بلادهم وشرد أطفالهم وشيوخهم واغتصب نساءهم وسرق أموالهم ونهب كل ممتلكاتهم؟
لا حاجة لأهل السودان بديمقراطية (الشفشفة)، ولا مدنية القتل والنهب والسلب والخراب والدمار، وعلى مجرم الحرب المعتدي الأثيم أن يركز ويتقبل مصيره المحتوم، لأن عاره سيلاحقه أينما ذهب، وأهل السودان لن يسامحوه ولن يغفروا لهم ما فعله بهم، وسيطاردونه أينما ذهب، وسيجلبونه إلى ساحات العدالة ليلقى فيها جزاءه العادل، فالبِر لا يبلى والذنب لا يُنسى.. والديّان لا يموت.