اعمدة الرأي

د. مزمل أبو القاسم يكتب … الدفاع الغبي.. والشرط الأبله!

قبل فترة تحدث جعفر حسن (أحد الناطقين بياناً باسم تقدم.. واستتاراً باسم الجنجويد) وقال إن إجراءات (حسن النوايا) التي ادعى أنها كان من المفترض أن تسبق مرحلة إخلاء الأعيان المدنية في مفاوضات منبر جدة كانت تشمل (إلقاء القبض على المروجين للحرب من الطرفين)!

وكما ذكر الأستاذ إبراهيم عثمان (أحد أفضل من كتبوا عن معركة الكرامة) فإن الشرط المزعوم بالغ الغرابة، ولا نجد له سابقةً تشبهه في تاريخ الحروب، إذ لم يحدث أن برّأ طرفان متحاربان نفسيهما من مسئولية القتال، وسلم كل واحد منهما بأن مناصريه هم الذين يروجون للحرب ويتسببون في تسعير أوارها، وتأثر هو بهم سلباً، فابتدر القتال واستمر فيه، واعتمد كلٌ منهما براءة الآخر وطالبه بالقبض على أنصاره وداعميه (المروجين للحرب) ووافق الطرفان.. بلا جدال!

من كان يعلم سابقةً مثل تلك فليذكرها وليذكرنا بها.. أو كما ذكر الزميل المفضال إبراهيم عثمان!

بحسب هذا الحديث الجنوني والمثير للسخرية كان يتعين على الجيش أن يعتقل كل داعميه ومناصريه في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ليتبعه متمردو الدعم السريع بالمثل ويلقوا القبض على كل مسانديهم في الإعلام والسوشال ميديا، ويكون المعيار الأول والأوحد لرصد المستحقين للاعتقال هو مدى إمعانهم في المساندة، ليصب الأكثر اندفاعاً في الدعم، الأوفر استحقاقاً للضبط والاعتقال!

وكما ذكر الحبيب إبراهيم لو نفذ متمردو الدعم السريع ذلك الشرط الغريب والممعن في (العبط) سيصبح جعفر حسن ورفاقه الناطقون باسم (تقدم) وغالب المنضوين تحت لوائها على رأس قائمة المطلوبين للتوقيف لدى المتمردين، ليتم وضعه هو ورشا عوض والدكتور أسامة نقد والدكتور بكري الجاك وبقية الناطقين باسم (تقدم) في محبس واحد (سرِّي) مع المخطوفين من المواطنين وأسرى الجيش وعمر جبريل والجوفاني وإبراهيم بقال وعمران عبد الله والباشا طبيق وسيبويه يوسف وبقية الأبواق الإعلامية لمليشيات الدعم السريع!

إذا قبلنا نحن (المناصرون للجيش) ذلك الشرط العجيب، ورضينا أن يتم توقيفنا ووضعنا في معتقلات الجيش، فهل سيقبل جعفر سفارات ورفاقه بأن يقبعوا في السجون السرية سيئة السمعة للمليشيا المجرمة؟

بالطبع يرى جعفر حسن ورفاقه أنهم غير معنيين بتلك الإجراءات الممعنة في الغرابة، لأن المتمردين هم الذين اشترطوها، وروجوا لها، واعتبروا المستهدفين بالحبس هم مناصرو الجيش وحدهم وليس سواهم، وأن المتحدثين باسم (تقدم) ومنسوبيها لا يستحقون الحبس، ولا يجوز تصنيفهم ضمن زمرة المروجين للحرب، مهما تمادوا في دعم الجنجويد، ومهما تحالفوا معهم، ومهما تشابهت لغتهم وتطابقت مواقفهم مع مواقف المتمردين، وسارت معها بوقع الحافر على الحافر!

بحسب (سفارات) فقد وضع متمردو الدعم السريع ذلك الشرط العجيب، واشترطوه لإثبات فرضية أن الجيش هو الذي بادر بإشعال الحرب، ويمثل الطرف المعتدي، وهو المستجيب الأوحد لتحريض مناصريه، ليتبرع جعفر حسن بتبنيه وتحقيق مصلحة إضافية للمتمردين، برهن خروجهم من منازل المواطنين وبقية الأعيان المدنية بتنفيذ ذلك الشرط العجيب!
الحقيقة أن مثل تلك الخزعبلات الغبية الهبلة العبيطة لم ترد حتى على ألسن مستشاري قائد الدعم السريع والمتحدثين باسم المتمردين على مشهور كذبهم ومعلوم دجلهم، وظلت حصريةً على قادة (تقدم) والمتحدثين باسمها، ممن يعتبرون مطالبة المواطنين بخروج المتمردين من منازلهم (مجرد مزايدة)، كما وصفها ياسر عرمان، أو تمثل مطالبةً غير قابلة للاستجابة إلا بوقف القصف الجوي (كما وصفتها زينب الصادق المهدي)، أو متعسفةً وغير واردة التنفيذ لجهة أن الجنجويد دخلوا تلك المنازل بعد قتال شرس وانتصارات مشهودةً حققوها على الجيش، وبالتالي ليس وارداً أن يفقدوها بغير قتال (كما ذكر د. النور حمد).
التماهي مع المتمردين وتبني كل رواياتهم ومحاولة تبرئتهم من جرائمهم المروعة، والصمت على انتهاكاتهم القبيحة في حق المواطنين العُزّل ليست جريمةً تستوجب توقيف أصحابها في نظر جعفر حسن وبقية المتحدثين باسم (تقدم)، بينما يستوجب دعم الجيش الوطني ومناصرته في معركة الكرامة اعتقال وسجن كل الداعمين بتهمة (تسعير الحرب).. يا ألطاف الله!

بالمثل فإن تهديد جعفر حسن وأمثاله بالحرب والتلويح بها قبل اندلاعها فعلياً، ووضعها ضمن خيارين اثنين لا ثالث لهما حال عدم تنفيذ الاتفاق الإطاري لا يُعدَّ ترويجاً للحرب، ولا يعتبر جريمةً تستوجب ملاحقة أصحابها واعتقالهم بتهمة البلبسة، حتى ولو قرن المقترفون قولهم بتهديد صريحٍ لخصومهم السياسيين، يقضي باعتقالهم ومنعهم من (الحوامة) بمجرد تكوين حكومة قحت والجنجويد، وأنهم سيخضعون إلى تنكيلٍ أشد من الذي حدث لهم سابقاً، لأن لجنة إزالة التمكين القديمة ستكون (مسكينة ساي) مقارنةً بالتي سيتم تكوينها حال تدشين حكومة الإطاري المؤود!

إذا تفرسنا حقيقة مواقف المتحدثين باسم (تقدم)، سنجدهم أشدُّ تطرفاً من المتمردين أنفسهم، وأوفر دعماً للجنجويد وأكثر حرصاً على تبرئتهم من جرائمهم ومحاولة إلصاقها جملةً وقطاعي بالجيش ومسانديه، وبعد ذلك كله يدعون أنهم محايدون.. وأنهم حريصون على السلام.

أعجب من ذلك أنهم يتمسكون بذلك الحياد الزائف الكاذب المخادع، حتى ولو أنكره عليهم أكبر أحزاب تقدم (الأمة القومي) ودمغهم بتهمة الانحياز الصارخ للجنجويد، ولو نسج على منوال (الأمة) المكتب القيادي للتجمع الاتحادي.. الذي ينتمي إليه بابكر فيصل وجعفر سفارة.. سفارة!
تاني وتالت ورابع.. (حيادكم عَينة)!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى