تقرير : عزمي عبد الرازق
لم يعد سراً الحديث بأن ميليشيا الدعم السريع كانت في مبتدئها صنيعة إنقاذية، نشأت وترعرعت في كّنف من تسميهم اليوم بالفلول، أو الكيزان، إذ أن الحقيقة التي يصعب مواراتها أن قادة الصف الأول والثاني وربما الآخير من الدعم السريع، كانوا من أشد العناصر تطرفاً في صفوف حزب المؤتمر الوطني، بولايات دارفور وكردفان، حد أن حميدتي نفسه، كان بمثابة حارس بوابة نظام الإنقاذ، في أيامها الآخيرة، أو ما تسميه حاضنته السياسية (النظام البائد)، لكن دقلو قرر هكذا، دون وجه حق، أن لا يبيد نفسه مع النظام البائد ، ويتنكّر ويغدر بمن جاء به من البدو، وجعله قائداً للدعم السريع، تزين كتفه النياشين!
أقتلوا أنفسكم
قائمة فلول النظام السابق في الدعم السريع تتجاوز الخمسمائة شخص، من بينهم قادة سابقون في الدفاع الشعبي، ووزراء سابقون في الحكومة المركزية، وولاة ولايات، وأعضاء في مجالس تشريعية، معمظهم، إن لم يكن جميعهم، يحملون بطاقة عضوية المؤتمر الوطني، بمن فيهم حميدتي نفسه وشقيقه عبد الرحيم دقلو، ما يعني عبثية حربهم على الدولة، والتنكّر للماضي القريب بلا قربان، أو توبة تستدعي منهم على الأقل أن يقتلوا أنفسهم عوضاً عن قتل الآخرين.
أبرز تلك الشخصيات هو حسبو محمد عبد الرحمن، الذي تقلد أرفع المناصب في الدولة، وكان نائباً للرئيس السابق عمر البشير، وآخر المواقع التنظيمية التي أُوكلت إليه، هو موقع نائب الأمين العام للحركة الإسلامية، لكن الولاء للقبيلة كان أكبر من الولاء للفكرة والجماعة السياسية لدى حسبو، ولذلك انتهى به الحال في حضن الميليشيا التي مكن لها، من خلف الكواليس، بصفة مستشار لحميدتي، بل تشير بعض التسريبات إلى أنه أحد الذين خططوا للإنقلاب على الدولة، وكان يعمل سراً لجعل قوات الدعم السريع بمثابة الجيش البديل، وضمّ إليها أحد أنجاله، لحماية سلطة آل دقلو، برافعة قبلية، سيما وأنه كان في السابق مسؤولاً في الأمن الشعبي كما جاء في عدد من التقارير الصحفية، وقد استغل علاقاته واطّلاعه على أسرار الدولة لإنجاح مخطط الاستيلاء على السُلطة بالقوة، لكنه أخفق، وانكشف عنه غطاء الخيانة، ما دفع الحركة الإسلامية السودانية في أبريل الماضي – وبعد تحريات دقيقة – إلى إسقاط عضويته من التنظيم، حيث اتهمته بـ”الانحراف عن مبادئ وأهداف الحركة وانضمامه لمليشيا الدعم السريع”.
مع الفلول وضدهم
أما عبد الرحيم دقلو قائد ثاني الميليشيا فكان من أكثر العناصر دفاعاً عن المؤتمر الوطني، وتدرج قليلاً في العمل التنظيمي، حيث عمل بقطاع الطلاب في ولاية جنوب دارفور وكذلك بالعاصمة الخرطوم، وكان إبّان مفاصلة الإسلاميين الشهيرة أقرب إلى حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الراحل الدكتور حسن الترابي، إلا أن نزعته للسُلطة دفعته للتراجع، ومن ثم تقديم فروض الولاء والطاعة للحزب الحاكم. بينما عادل دقلو، الشقيق الثالث لقائد التمرد، فصورته لا تزال معلقة في جدران وزارة السياحة وزيراً للدولة في أواخر حكومات للبشير، إن لم تكن قواته، التي احتلت الوزارات والأعيان المدنية عنوة، قد أخفتها لتخدع الناس بأنها تُحارب (الكيزان).
دون مواربة يمكن دمغ مدير استثمارات الميليشيا القوني حمدان دقلو بتهمة (الفلولية)، التي حاول أن ينسل منها برمي الآخرين، وبين أيدينا سيرة نشطة له في العمل الطلابي بولاية جنوب دارفور، مثله ومحمود ود أحمد رئيس الاتحاد الوطني للشباب السوداني دورة 2017، وهى الدورة قبل الأخيرة قبل سقوط نظام البشير، في الذاكرة أيضاً الفاتح قرشي المتحدث الرسمي باسم المليشيا، والذي كان كادراً طلابياً في جامعة غرب كردفان، وكذلك نائب أمين أمانة المنظمات بالمؤتمر الوطني ولاية شرق دارفور قبيل أن يتم أستيعابه بالدعم السريع في 2019، هو وموسى خدام بتوصية من حسبو عبد الرحمن.
التطرف المصطنع
ليس بعيداً عن ذلك ترنو صورة علي مجوك مستشار قائد الميليشيا الإرهابية، والذي كان يشغل في السابق منصب وزير الدولة بديوان الحكم الاتحادي، ومثله كذلك موسى خدام مستشار حميدتي الحالي، والذي عينه والي وسط دارفور السابق الشرتاي الراحل جعفر عبد الحكم معتمداً بالرئاسة في العام 2017، لكنه هو وعلي مجوك والفاتح قرشي والباشا طبيق، أصبحوا اليوم أعلى الأصوات التي تهاجم الإسلاميين، بصورة تبدو غريبة، وهى على الأرجح، للتعمية، وإرضاء الكفيل، وصرف الأنظار عن ماضيهم السياسي .
ربما كان مفاجئاً أن اللواء عصام الدين فضيل مسئول الظواهر السالبة في الميليشيا المتمردة، لم يكن بعيداً عن الحاضنة التنظيمية، قبل أن تجرفه الحاضنة الاجتماعية، إذ كان يحتفظ لوقتٍ قريب بمقعده المُجَنَّح في اتحاد الرُّحل بالمؤتمر الوطني.
أما اللواء حسن محجوب مدير مكتب قائد التمرد، فلم يكن بعيداً عن الإنقاذ، وكان ضابطاً في الجيش السوداني تم انتدابه للعمل في صفوف الميليشيا، وقبل ذلك كان رئيساً للمؤتمر الوطني بولاية شمال دارفور، ومعتمداً بالرئاسة، بينما شغل أبشر جبريل، مدير مكتب عبد الرحيم دقلو، عدة مواقع تنظيمية، من بينها رئيس المؤتمر الوطني ومعتمد محلية لقاوة السابق، وعضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني بولاية غرب كردفان، وتضم القائمة أيضاً عشرات النظار والعمد ورجال الإدارة الأهلية.
مستشار الدعم السريع الباشا طبيق، كثير الظهور في القنوات الفضائية، والذي يحاول بتطرفه المُصطنع اخفاء هويته السياسية السابقة كان قائداً للدفاع الشعبي بدارفور، وعضواً بالمؤتمر الوطني، وظل نشطاً في أروقة الحزب الحاكم السابق، حد أنه شارك في معظم مواكب الزحف الأخضر، التي خرجت ضد قوى الحرية والتغيير والاتفاق الإطاري ونادت بطرد فولكر والتمسك بالسيادة الوطنية، أما علي دخرو فهو عضو الطلاب الإسلاميين الوطنيين، ومسؤول قطاع الطلاب بمحلية أم درمان، وعمل كذلك بالاتحاد العام للطلاب السودانيين، وعلى ذات النهج مضى مسؤول الاستنفار بميليشيا الدعم السريع المتمردة إبراهيم بابكر، كذلك إبراهيم مدلل.
الشعبي جناح الجنجويد
أما المؤتمر الشعبي فقد سقطت بعض عضويته في ذات البركة الآسنة للميليشيا، منهم حافظ كبير والربيع عبد المنعم، وكلاهما ينشط في إعلام الدعم السريع، إلى جانب العقيد حسن الترابي القائد المسؤول عن منطقة المقرن بميليشيا الدعم السريع، والذي أطلق عليه والده هذا الاسم تيمناً بالشيخ الراحل حسن عبد الله الترابي، دون أن يكون جديراً بذلك، إذ أنه اختار الخضوع لأهواء آل دقلو، وخدمة مخطط تفتيت السودان، ولعل الأمانة العامة السابقة للمؤتمر الشعبي تبدو أقرب للخط السياسي للدعم السريع، وذلك من خلال تبني الاتفاق الإطاري، والتماهي مع خط تقدم، حاضنة الجنجويد، كما أن صوتهم في إدانة جرائم الميليشيا في دارفور والجزيرة كان ولا يزال خفيضاً، عكس الأمانة العامة المنتخبة من الشورى برئاسة الدكتور الأمين محمود التي وضعت الحزب في مكانه الصحيح من التاريخ.
المال والطموحات السياسية
وفي الوقت الذي لعب فيه المال دوراً في شراء ولاء فارس النور مستشار حميدتي، عضو وفد التفاوض، ورئيس منظمة مجددون التي كان يرعاها نائب الرئيس الأسبق علي عثمان محمد طه، فإن المنافسة السياسية بين المك أبو شوتال ومالك عقار، على تمثيل النيل الأزرق في السلطة دفعت بالأول إلى القفز فوق مركب حميدتي المتهالكة، لعله يلحق بخصمه اللدود مالك عقار الذي أصبح نائباً لرئيس مجلس السيادة، وهو الذي – أبو شوتال – بعد انشقاقه من الحركة الشعبية قطاع الشمال، انضم للمؤتمر الوطنى حتى لحظة اندلاع الحرب فى النيل الأزرق، وكان في المكتب القيادي على مستوى الولاية وفى الشورى المركزية كذلك ومستشاراً لوالى الخرطوم ضمن حصة الوطنى.
لم يكتف الدعم السريع بتجنيد الرجال فقط، وإنما أوقع في شباكه العديد من النساء، من بينهم حياة جاد الله، أمينة أمانة المرأة بالمؤتمر الوطني و منسقة الدفاع الشعبي بمحلية أم روابة، وهى حالياً أمينة أمانة المرأة لمليشيا الدعم السريع المتمردة بذات المحلية، كذلك رحمة متحصل مليشيا الدعم السريع بمحلية شيكان، والتي كانت عضواً بأمانة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية بمحلية شيكان، وغيرهن ممن أوقعهن الدعم السريع في مصيدته.
على ما يبدو فإن مكونات الدعم السريع تحكمها علاقات الدم والمصاهرة والإنتماء القبلي بصورة أساسية، ثم بعد ذلك تتوزع الخانات الأخرى ما بين ضحايا المال، وأصحاب الغبائن الشخصية، دون أن تكون ثمة قناعات فكرية، أو قضية وطنية خالصة جمعت كل هذه الأسماء، والتي تُشهر لافتات وتردد شعارات تتصادم مع مسيرتهم السياسية، وهذا بالضرورة يوقعهم في تناقضات تبدو مربكة أحياناً، بل دائماً.
اختارت الحركة الإسلامية وكذلك المؤتمر الوطني ، رسمياً، الوقوف في صف القوات المسلحة والدفاع عن مؤسسات الدولة، ودعت الحركة عضويتها للانخراط في معركة الكرامة دفاعاً عن البلد وسيادتها، دون أن تتخلف عضويتها المتلتزمة، ولم تعبأ بتمرد تلك المجموعة وانحيازها للميليشيا الإرهابية، فذلك أمر ينسحب عليهم بصورة فِردية، كما هو الحال، ويعني غلبة الدم على الرابطة الفكرية، وعلى وجه الدقة، فهى رِدة للقبيلة، نقضت عنهم غزلهم من بعد قوة أنكاثا، ولم يعد أمامهم من مجال لغسل أياديهم من جرائم الميليشيا الإرهابية، بعد أن سقطت عنهم عضوية التنظيم السياسي، ولم تفارقهم، في ذات الوقت، صفة الفلول أو تولي المناصب الرفيعة في ما يسمونها بدولة 56، إذ أن الأمر وكما يبدو، لا يتعلق بمحاربة الإسلاميين، وإنما شاهد على ضعف الوازع الفكري، أو أن الانتماء للحركة الإسلامية لم يكن صادقاً بالأساس، وإنما كان مجرد سلم للوصول إلى السلطة، وهو ما تم توظيفه بواسطة مخططي المشروع الإماراتي في السودان