(تقرير) “عصب هش”.. واقعية أم انسلاخ عن الهوية السودانية؟ مسلسل “عصب هش” يواجه انتقادات واسعة في السودان
تقرير: رحمة عبد المنعم
تعرض المسلسل السوداني “عصب هش” لانتقادات واسعة منذ أول حلقة، إذ اعتبر رواد بمنصات التواصل الاجتماعي أن أحداثه لا تمت للواقع السوداني بصلة، لما يحتويه من مشاهد خارجة عن المألوف السوداني من حيث الجرأة بتناول مواضيع أزواج يعاقرون كؤوس الخمر، ويتغازلون في سرير النوم بملابس فاضحة، ويتحدثون بلغة هابطة.
ومن الانتقادات الموجهة لمسلسل “عصب هش” ” انتشار صور المشروبات الكحولية والملابس الخليعة، ومشهد أبطال العمل في سرير النوم “تحت البطانية الحمراء”، كثرة المشاهد هذه رأى فيها منتقدوها ترويجاً لنمط غير موجود في المجتمع السوداني بالصورة التي تظهر في العمل الدرامي.
واستنكر نشطاء سودانيون إدخال لقطات “خادشة ولا أخلاقية” في مسلسل يعرض في شهر رمضان دون احترام للشهر الفضيل وفي انتهاك مباشر لحرمته وقدسيته، معربين عن أسفهم لدخول مثل هذه الأمور إلى الأعمال السودانية التي تشاهدها جميع الفئات العمرية.
ويشار إلى أن المسلسل يبث على (اليوتيوب)، وهو من بطولة مصعب عمر، والفنانة مونيكا روبرت والإعلامية هديل إسماعيل، ومن تأليف وإخراج هيثم الأمين، وتدور أحداث المسلسل حول صراع الأشقاء على المال الذي تصاحبه كثير من الأحداث التي تقود للشتات والخصام.
مواد معيبة
وقال عبد القادر الإمام على حسابه بمنصة “إكس”: مسلسل “عصب هش” يتنافى مع قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا السودانية، وأحداث العمل مستمدة من عادات غربية تروج للانفلات الأخلاقي وتعصف بقيم المجتمع.
وأضاف: إن السودان بلد محافظ، وعلى شركات الإنتاج الدرامية الحفاظ على الهوية السودانية في المواد التي يتم بثها، مطالباً بوضع حد لهذه التجاوزات الخارجة عن المألوف- حسب وصفه.
وهاجم محمد بشير من مستخدمي “فيسبوك “، منتج العمل، معتبراً أنه يوصل رسالة سيئة عن المجتمع السوداني، إضافة إلى عدم معالجته قضية أخلاقية، فضلاً عن ظهور نجومه تحت “البطانية الحمراء” في مشاهد متنوعة.
ولفت بشير إلى أن “عصب هش” لا يصلح للمشاهدة العائلية لاحتوائه على مشاهد خادشة للحياء، واعتقد أنه أثار حفيظة كثير من المشاهدين.
وقالت إحدى المغردات وتدعى سناء عبد المنعم “المسلسل فكرته قائمة على تصدر “الترند” لعرضه مشاهد مبتذلة، وكاتب العمل يعاني من فقر إبداعي، لأن أحداث العمل بعيدة عن الواقع السوداني، كما أن غياب الكبار عن التمثيل فتح الباب لدخول أشباه المواهب، وتوقف بيوتات الإنتاج المحترمة قد ساعد على انتشار المواد المعيبة”.
قضية مجتمعية
بينما يقول الناشط مصعب التوم، إن المسلسل يعالج قضية مجتمعية حاصلة في مجتمعنا، ويبعث برسائل كبيرة “للفساد الكان حاصل في البلد”.
ويضيف: “الكافيهات والمطاعم وما يدور في كواليسها و(الشيخات) البزنس ودورهم في إدارة “الاوردرات”، ورجال الأعمال المابخجلو البنقطو النقطة بالدولارات، والانحلال الأخلاقي، قصص الشقق ودهاليزها المظلمة و(البارتيهات) والجبنات بالنقاطات.. بيع المخدرات وتوزيعها للشباب… استغلال الفتيات البسيطات في العمل وتقديمهن (للبغاء) لهذه الفئة من(الذكور) وليس (الرجال)”
.
تجسّد الواقعية
وكتب عمر سومي والد بطل المسلسل “مصعب” في إحدى مجموعات (الواتساب): “منذ قديم كان الجدال في شأن الدراما القيمية هي كيف تجسد الواقعية فكيف تظهر امرأة مع زوجها أو في مطبخها وهي تلبس الخمار لأن هذا لن يكون واقعياً”.
وأضاف: “الجدال الماضي أن إشاعة المظاهر الخليعة مثل ما ظهر في هذا المسلسل وظهور معاقرة الخمور في المنازل بين الأزواج لا يمثل السواد وهو حرام لا تجب إشاعته وباطل يجب إماتته بالسكوت عنه لا أن نجعل العين تتعود عليه”.
وتابع: “والفقه الآخر أن آيات سورة يوسف كتبت مشهداً للمراودة والممانعة كاملاً فكيف نمثل هذا المشهد دون إثارة وتجاوز؟ وما كتب ليس بعيداً عن ما يرى بالعين”.
وختم حديثه: “يظل الحوار مفتوحاً دون اختراق لأن عرف المجتمع السائد لا يقبله ولا أنت تقبل أن تكون بنتك مكان هذه السيدة ولكن ترضاه لبنات الناس”.
غياب الرقابة
من جانبه، قال الكاتب الصحفي محمد يوسف “ميدي”، إن الدراما السودانية ظلت متمسكة بالقيم والمعتقدات السودانية السمحة، وقد عكست الواقع بأعمال راقية وجدت القبول من المجتمع.
وأشار إلى أنه في الآونة الأخيرة ومع تمدد مواقع التواصل صار كل “صاحب كاميرا” درامي وأصبحت الأعمال غير الجيدة “على قفا من يتصفحها”، وأضاف: من وجهة نظري أن “عصب هش” من إفرازات التساهل وعدم الرقابة- على حد قوله.
وألقى “ميدي” باللوم على الجماهير التي تعودت على استساغة مثل هذه الرداءة وشجعت هذه الطفيليات على النمو والتضخم في عالم التمثيل، وأضاف أن “ما يتم طرحه في الوسائط الإعلامية من هذه المواد الدرامية خادش للحياء، وهي فوضوية وغير مقننة بقوانين ودون رقيب وعقاب، لذلك من البديهي أن نرى هذه المواد التي تستخف بالمجتمع، وتكذب الواقع”.
دليل نجاح
ويرى الناقد الفني الزبير عثمان، أن الدراما السودانية بحاجة إلى تناول مثل هذه القضايا التي يدور الحديث حولها في الغرف المغلقة دون طرحها على عموم المشاهدين، وأن المسلسل فتح ملف الشقق والكافيهات واستغلال الفتيات البسيطات وما يعرف بـ”النقطة” لدى الفنانات وانتشار المخدرات وسط الشباب، وأعاد تقديم مشاهد تحدث بالفعل داخل الأسرة بطريقة تجعل هناك إقبالاً من أفراد الأسرة على متابعته، ما يشي بوجود تطور مهم في مناقشة القضايا الاجتماعية عبر الدراما.
وأضاف أن جمهور السوشيال ميديا تحول إلى جلاد للأعمال الدرامية والنجوم من خلال “البوستات” المتدوالة ما بين مدح وقدح وتسليط الضوء على أخطاء إخراجية، وأوضح أن المشاهد التي أثارت حفيظة المتابعين ما هي إلا تجسيد للواقع بكل آفاته، فالناس يريدون دراما تقليدية تدور في فلك الأعمال القديمة خوفاً من “كشف الحال”.
وتابع: إن المسلسل يعرض حال المجتمع والواقع الذي يرفض كثيرون مواجهته، وأردف: علينا تشجيع مثل هذه الأعمال وتوجيه النقد إليها من منظور فني مدروس لكي ننهض بالدراما السودانية إلى أرقى المستويات.