ايمن كبوش يكتب الى الشهيد احمد شاع الدين في عليين
قلت له: في الأيام الأولى للحرب ويعلم الله العلي القدير، أنني كنت بصدد العودة إلى السودان الذي غادرته في مارس من العام 2023 وذلك من أجل المشاركة في حرب (الكرامة) وهو قدر وطنت نفسي عليه وليس جديدا عليّ، لا العمليات ولا المحكات الصعبة التي عشتها في بداياتي العمرية.. عندما كان (الزمان جد مبتسم والليالي جميلة حالمة).
قال لي محامٍ فاشل من حملة مخابر (تقزم) ومشاعل الانبطاح لخالد سلك وعمر الدقير ومن لف لفهما: (انت ما تمش تقاتل وقت عاجباك الحرب).. ! من ذا الذي تعجبه الحرب يا هداك الله، هذه الحرب الوجودية المفروضة على السودانيين، انهكتني مثل غيري وجعلتني على الحديدة، لم أكن مشاركا فيها ولا املك قرارا في اشعالها أو اخمادها ولم يشاورني فيها أحد حتى اللحظة، ولكن ما أملكه حقا هو موقفي المعلن منذ اليوم الأول وهو ان ادعم مؤسسات بقاء البلد وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية الباسلة التي دربتني واحسنت تدريبي قبل 26 عاما ودفعت بي الى الخطوط الامامية في مسارح عمليات الدفاع عن الوطن، تعلمت وقتها كل شيء، غسل الملابس وكيها، احترام الوقت، الضبط والربط، فك وتركيب السلاح، الضرب وإحسان التنشين والنظر من خلال نشنكة، اللياقة البدنية العالية، عدم الخوف، الالتزام، لغة الاستيك.. ماركوني والانتركام.. محبة الوطن والآخرين، الايثار، كلها كانت في هذه المؤسسة التي رسخت عندي لمبدأ ان (عرق التدريب يحقن دماء المعركة)، فكان النشاط وكانت الحيوية والقبضة القوية على زناد البسالة والرجولة والقتال بايدٍ عارية الا من محبة الوطن وارداة البقاء على قيد الحياة.
نعم يا سيدي، محام الغفلة، انا صاحب مصلحة في استمرار الحرب، إلى ان تنتهي بانتصار كاسح للقوات المسلحة السودانية، نعم انا (كسار تلج) لأجل هذا البلد الطيب وصاحب مصلحة لأنني فقدت بيتي وفقدت مقتنياتي وفقدات سيارتي، الاولى امطتيها والثانية اؤجرها لكي أزيد بها دخلي، فقدت اماني واستقراري وجل معارفي وعاداتي اليومية.. فقدت وطني، وفقدت التواصل مع أسرتي الكبيرة، فقدت ذاكرة الاعياد والمناسبات والتزاحم على مطارات الواجب فرحا وكرها.. انا صاحب مصلحة يا سيدي في أن يعود الجيش، جيشا واحدا، وأن تعود الهيبة لمؤسسات الدولة، ولعلمك، ايها السمبرية، انا لم اتبرم طوال حياتي من وجود الشرطة السودانية في شوارعنا الفسيحة لأن الامن قيمة تحس وتعاش، كما لم اتبرم يوما من استدعاءات الإخوة في جهاز الأمن بقيادة اللواء تبيدي وعصبته، صلاح عيد وآخرين، لأننا كنا نحس بأن (البلد مو سائبة) قبل أن يتآمر صلاح قوش على أمن البلد ويبدد عافيتها لصالح الخراب، هذا هو الرجل الذي سلّم البلد لنكرات زمن الكساح، صلاح مناع وخالد عجوبة وفكي منقة وعبد الله سليمان ووكلاء اليباب في المنظومة الأضعف في الدائرة العدلية، اولئك الذين رهنوا قرارهم للجاهل عبد الرحيم حمدان دقلو فصارت له سلطة مطلقة في القضاء والنيابة وبنك السودان.
ارجوكم اعيدوا لنا سودان الأشياء الجميلة وسودان المؤسسات والهيبة، وليت الذين لديهم دور كبير في هذا السقوط، كتابة خطابات اعتذار وبيانات غفران، لكي يعفو عنهم الشعب، من لدن الفريق أول ركن عوض ابن عوف والفريق أول ركن كمال عبد المعروف الماحي، إلى جناب الفريق أول مهندس صلاح عبد الله محمد صلاح، داعس السودان وعجوبته.
أعود وأقول انا باب الاستنفار مازال مفتوحا لكل من يملك القدرة على القتال، نسأل صاحب القرار بأن ييسر لنا أمر المشاركة بعيدا عن قتال القرطاس والقلم.. والتحايا للشهيد العميد الركن احمد شاع الدين المنصور، ابن الدفعة 44 كلية حربية الذي صمد في ميدان البسالة والرجولة ورفض الانسحاب وهو القائد صاحب التعليمات الأخيرة، ما من أحد يرتقي شهيدا أو قتيلا قبل يومه وهذا هو قدر الاخيار، احمد شاع الدين، رجل لم تورثه الأرض قبرا وكتب سانحة رحيله بالدم والروح فأستحق التحية.
اخيرا تحية خاصة لفرسان العمل الخاص في محوري النيل الابيض وسنار، تحية لتلك المجاهدات الكبيرة والوطنية الحقة، تحية للاخ الصديق (شهاب برج) و(النيل الفاضل) و(فرحات ود العمدة)، الاخير احد فرسان هيئة العمليات التي تم حلها وغازلته (المليشيا المتمردة) لكي ينضم اليها، ومنذ اليوم الأول (بلّغ) سلاح المدرعات وكان فرس رهان في جميع محاور القتال، اصيب إصابة بالغة ولم تلن له قناة، فعاد أكثر قوة وأكثر شراسة وكان من ابطال تحرير الإذاعة وربط منطقتي وادي سيدنا والمهندسين، هؤلاء الأبطال خيار من خيار، للهم درهم اينما كانوا وحيثما كانوا.