مقالات

البشير محمد يكتب… هل يأتي المبعوث الأميركي بجديد ؟

لقد أفضى التدخل السلبي للمجتمع الدولي والإقليمي في الشؤون السياسية والداخليه للسودان منذ التغيير الذي حدث في الحادي عشر من ابريل 2019 إلى ما نشهده الآن من حرب وإهتزاز واسع لمؤسسات الدولة و النظم البيروقراطية فيها عبر فرض لإتفاقات هشه لا تراعي مصالح الشعب السوداني.

إضافة لفرض مشاريع سياسية أجنبيه تستهدف الأمن القومي السوداني والقوات المسلحه السودانية عبر ما يعرف بسياسات الإصلاح العسكري، بالإضافة إلى الوضعية الإقتصادية التي غيرت من تركيبة القطاع الإنتاجي.

أعلنت الولايات المتحدة تعيين ” توم بريلو” مبعوثاً خاصّاً للسودان وقد جاء تعيين بريلو بعد إستقالة السفير السابق للولايات المتحدة “جون غودفري” من منصبه في فبراير من هذا العام وهو أول سفير للولايات المتحدة في السودان وكانت الولايات المتحدة قبل تعيينه تدير علاقاتها مع السودان عبر مبعوث الولايات المتحدة للقرن الأفريقي “جيفري فيلتمان” والذي إستقال في يناير من العام 2022، هذا بالإضافه للمبعوث السابق للولايات المتحدة للسودان وجنوب السودان “دونالد بوث”، و “مولي في” مساعدة وزير الخارجيه الأمريكي للشؤون الأفريقية.

يأتي تعيين بريلو في وقت إستمر فيه القتال بين الحكومة السودانيه ممثلة في القوات المسلحة السودانيه وقوات الدعم السريع المتمردة للشهر الحادي عشر منذ إندلاعها في منتصف إبريل الماضي، لدفع الأطراف المتحاربة نحو إنهاء الحرب بمساعدة القوى الإقليمية والدولية بحسب تعبيره.

ومن الملفت للإنتباه أن الدبلوماسي “توم بريلو” لم يعمل في المنطقة بإستثناء عمله في منطقة البحيرات على غرار غيره من الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يمسكون ملف السودان حيث تدفع الولايات المتحدة بشخصيات دبلوماسية دائماً ما يكون لديهم تاريخ عمل في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، فدونالد بوث الذي عمل في السودان في فترتين مختلفتين قد عينه الرئيس الأمريكي الاسبق بارك اوباما في 2013 م، وأعاد تعيينه الرئيس السابق دونالد ترامب مبعوثاً للسودان وجنوب السودان في يونيو 2019 وهو دبلوماسي ينتمي للديمقراطيين، ومن الملفت أيضا للإنتباه أن بريلو كان قد إستقال من منصب مدير المكتب التنفيذي لمؤسسة المجتمع المفتوح، وهي منظمة ذات صله بالمجتمع المدني السوداني والذي يشكل ثقلاً كبيرا في مجموعة تقدم التي تشكلت من تحالف بين مجموعات سياسية على رأسها الحرية و التغيير و أخرى من منظمات المجتمع المدني.
ومن أهم الخطوات السياسية التي قامت بها ” تقدم ” إعلان سياسي مع مليشيا الدعم السريع في يناير 2024.

بالعودة إلى دبلوماسية الولاية المتحدة فمنذ التغيير في 2019 اصبحت ذات فعالية أكبر في تشكيل الأحداث في السودان منذ إتفاق 17 اغسطس بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري أنذاك وحينها كان دونالد بوث مبعوثاً للسودان وجنوب السودان وسرت الإتفاقيه حتى ال 25 من أكتوبر حيث أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان عن إجراءات جمد فيها بعض بنود الوثيقه الدستورية وأقال وإعتقل مجموعه من أعضاء حكومة الفترة الإنتقاليه بما فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بعد أقل من 48 ساعه من مغادرة فيلتمان للخرطوم والذي عاد لاحقاً في نوفمبر وضغط نحو إعادة حمدوك رئيسا للوزراء فيما عرف بإتفاق ال 21 نوفمبر والذي بدوره إستقال في يناير 2022م.

بعد ذلك أعلنت الولايات المتحدة عن أول سفير في السودان بعد انقطاع 25 عاما السفير جون غودفري سفيراً للسودان والذي لعب دورا هاماً بجانب البعثة الأممية والسعودية والإمارات في الدفع بمسودة دستور المحاميين (أغسطس2022م) والتي طُورت لتشكل الإتفاق الإطاري والذي شكلت بنوده حول دمج قوات السريع داخل القوات المسلحه الفتيل الذي أشعل الحرب في الخامس عشر من ابريل 2023.

صاحب فترة عمل السفير الأمريكي المستقيل مفاوضات جدة التي رعتها المملكة العربية السعودية إلى جانب الولايات المتحدة المتمخض عنها إعلان جدة في 11 من مايو والذي لا زال عدم تنفيذه من جانب قوات الدعم السريع عقبه أمام إستئناف اي عملية تفاوضية .

مبعوث جديد في السودان على أعتاب الإنتخابات في الولايات المتحدة

بحسب تقرير على موقع الجزيرة لقد كان إسم توم بريلو مطروحاً كسفير قبل تعيين جون غودفري ولكن المطالب التي وضعها ومن ضمنها خط إتصال مباشر مع مكتب وزير الخارجية الأمريكي، دون إتباع التسلسل الهرمي عبر مكتب أفريقيا الذي تديره “مولي في” حال دون تعيينه في وقتها، ليعود مرة أخرى كمبعوث للسودان يتبع لمساعدة الخارجيه للشؤون الأفريقية يُشير هذا التعقيد والإرتباك إلى خلاف في الرؤى داخل الخارجيه الأمريكيه نحو الوضع في السودان، وقد أبدى مبعوثون ودوبلماسيون سابقون تشاؤماً حول فرص نجاح توم بريلو في مهمته المعقدة في السودان.

مع إقتراب الإنتخابات الأمريكية وإستطلاعات الرأي التي تُرجح إحتماليه فوز دونالد ترامب بالسباق الإنتخابي تعزز هذه الفرضيه من صعوبة مهمة توم بريليو على مستويين :

الأول :
محاولة إنجاز إتفاق على عُجالة ينهي الحرب ولو بشكل مؤقت ، لتضعه حكومة بايدن كنجاح في سياساتها الخارجيه في السباق الإنتخابي، ويعزز هذه الفرضيه إعلان المبعوث لمفاوضات في أبريل القادم بعد برهة من المشاورات لم يتضح فيها وجود إختراقات حقيقه في مواقف الطرفين تجعل من العودة إلى طاولة المفاوضات أمراً ذا جدوى حقيقة.

الثاني :
بحسب تصريح توم بريلو نفسه أن إيقاف الحرب في السودان يتطلب ضغطا على القوى الإقليميه التي تساعد في إستمرار الحرب، وأرى أن الإمارات هي الدولة الأكثر تأثيرا بدعمها لمليشا الدعم السريع بالأسلحه والمتطلبات اللوجيستيه وهو الأمر الذي لم تنجح فيه الولايات المتحدة منذ بدء الحرب، وقد تسعى دولة الإمارات العربيه لإطالة أمد الحرب إلى حين نهاية الإنتخابات الأمريكية خصوصا إذا كان فوز حليفها دونالد ترمب بالسباق الرئاسي مُرجحاً، ولابد هنا من الإشارة إلى أن الإمارات قد أنجزت في عهد ترمب ملفات مهمه بالنسبة للخارجيه الأمريكية على رأسها ما يعرف ب “صفقه القرن” والتي كان السودان ضمن مجموعة الدول التي إبتدرت مساراً لتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي في تلك الفترة.

وفقاً للمعطيات السابقه يجب على الحكومه السودانيه وضع رؤية مُحكمة تحفظ سيادة الدولة السودانية وأمنها القومي، ووضع جميع السيناريوهات على الطاولة وبالأخص تجاه الدبلوماسية الأمريكية المراوغة قبل الذهاب نحو أي عملية تفاوضية لا تضع مطالب الشعب السوداني و أمنه وكرامته كأولوية قصوى.

بالإضافة إلى ضرورة الإبقاء على الحلفاء دائماً بالقرب حيث يمثل السودان موقع مهم بالنسبة للملفات الحالية فأمن البحر الأحمر بجانب العلاقات المتوترة في القرن الأفريقي يضع السودان في ميزة متقدمة، ومع الاضطرابات الداخلية للنظام التشادي فإن السودان سيكون مفتاح السر نحو تأزم أو حلحلة الإشكاليات الحالية، بجانب ذلك تظهر أزمة جنوب السودان حيث تتوتر العلاقات الداخلية بين فرقاء السلام في جنوب السودان قُبيل الإنتخابات في ديسمبر القبل ، لا أحد يمكنه التكهن ببقاء الوضع الهش كما هو عليه في جوبا. كذلك الصراع الأهلي الأثيوبي لا زال مشتعلا بين مليشيات فانو والحكومة المركزية .

بالرغم من أن الدولة السودانية ليست في قمة استقرارها بل هي مهددة بسيناريوهات مختلفة فإن إمكانية الدخول في نقلات ديبلوماسية واسعة ممكن في هذا الظرف الحرج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى