اخبار

الأمين علي حسن يكتب …. بالعنصرية نبني دولة


قد يرى القارئ الكريم غرابة في العنوان ولكن هو يعبر عن واقع وأحلام البعض للأسف الذين مازالوا يتمسكون بقيام دولة عنصرية قبلية لا مكان فيها للمكونات الأخرى من أهل السودان (مملكة قبلية)، وكأننا عدنا لتاريخ ما قبل الإسلام عندما كانت تؤسس الممالك القبلية وتحمى بفرسان القبيلة وبقية الشعب تابع أو مقتول. فبعد عام كامل من الخراب والدمار مازلنا ندفع فاتورة أحلام بعض المهووسين بالعروبة ونقاء العنصر .
ومن المشاهد الجميلة أن العقيد معمر القذافي وفي توجهه الأفريقي كان يحدث بعض الحاضرين ذات مرة عن قصة شاعرنا الطيب محمد سعيد العباسي والذي أعجب بفتاة مصرية عندما كان يدرس في القاهرة وهي تخاطبه ذات غضبة بلهجة مصرية حادة (يا أسود يا بربري مد رجلك على قد لحافك)، يشعر الطيب حينها بالخيبة والصدمة ويعود إلى منزله المتواضع بالجيزة ويكتب رائعته التي تغنى بها العملاق الطيب عبد الله:
يا فتاتي ما للهوى بلدُ
كل قلبٍ في الحب يبتردُ
أنا ما خلقتُ في وطنٍ
في حماهُ الحبُّ مضطهدُ
أ لأنَّ السوادَ يغمرني؟
ليس لي فيه يا فتاةُ يدُ
أغريبٌ أنْ تعلمي لي ديارٌ ولي بلدُ
لي بدنيايَ مثلما لكُمُ
لي ماضٍ وحاضرٌ وغدُ
فلماذا أراكِ ثائرةً
وعلامَ السبابُ يضطردُ.
كان الراحل القذافي معجبا بالقصة وبقصيدة العباسي لذلك كان يتخذها مدخلاً كلما أراد أن يتحدث عن مشروعه الأفريقي وكيف يسعى لتوحيد القارة السمراء متجاوزاً اللون والقبيلة والعنصر وغيرها وهو لا يدري أنه سوف يأتي من بعده من يجمع المرتزقة من كل بقاع الأرض ليطرد أهل السودان ليؤسس (مملكة النقاء العنصري) كما تحدثت عنها وثائق الخطة المسربة والتي نشرها بعض النشطاء في الوسائط.
الحرب الحالية هدفها الأول تأسيس دولة عروبية عنصرية شمولية لا مكان فيها لمن لا ينتمي لمكون اجتماعي بعينه.
يتضح ذلك في خطاب الدعم السريع الفعلي وليس خطابه السياسي الذي يقدم للعامة.
مع بداية الحرب انتشر فيديو لأحد ضباط الدعم السريع يخاطب مجموعة من أهله ويقول لهم (نسعى لتمكين وسماها مكون قبلي بعينه وكل زول مننا يجب أن يقدم لنا الدعم بالبقدر عليه).
وضرب مثلاً بأحد الحضور حيث كان ينتمي لقوة نظامية وتخلى عنها وأعلن انضامه للدعم السريع ليحمي مشروع قبيلته.
على الرغم من أن هنالك نماذج وطنية من هذه المكونات الاجتماعية ترفعت فوق القبيلة وتسامت فوق العنصرية فأصبحوا أبطالاً في عيون الشعب السوداني.
ولكن هناك من يؤمن بالعنصرية والقبيلة ويظن أنه بإمكانها أن تكون بديلاً للدولة:
(من أجل هذا التقى حسبو عبد الرحمن من أقصى اليمين مع يوسف الماهري من أقصى اليسار).
تجلت العنصرية بوجهها الأقبح عندما أسر الجيش أحد قادة الدعم السريع من أبناء هذه المكونات حيث ضجت الدنيا بتصريحات قادتهم بأنهم مستعدون لإطلاق سراحه بأي ثمن والسبب لأنه ينتمي لمكون بعينه وكأن الأسير أبوفراس الحمداني والذي يريد أن يفديه سيف الدولة.
فعلى الرغم من أن هناك مئات الأسرى ولكنهم لا يستوون ابدا .
فالمليشيا لا مكان فيها إلا لمن ينتمي لقبائل محددة حتى الذين ينتمون لمكونات اجتماعية أخرى يتعاملون معهم كمغفلين لخدمة خطهم مؤقتاً ولا احترام أو تقدير لهم وأوضح دليل بأن تهجم قوة من الدعم السريع على قرية النقيب سفيان والذي انتظم في صفوفهم منذ بداية الحرب وتقتل خاله وعدد من أبناء القرية وتسلب أموال البسطاء هناك.
ومن الأشياء التي تدل على عنصرية هذه المليشيا حتى أغانيهم وأهازيجهم تحمل طابعاً قبلياً خاصاً لا يعبر عن الجميع
(عشان أم قرون)
وهي كلمات تحمل ملمحاً عنصرياً عروبياً قبلياً، وأم قرون في ثقافة بادية العرب هي تشبيه للفتاة بالغزال وهو تشبيه لا يوجد في الثقافات الأفريقية الأخرى والتفسير الثاني أن الفتاة تخرج جزء من شعرها (الضفيرة) ويسمونها القرون وهي أيضاً ثقافة عربية.
لذلك يسعى قادة المليشيا بأي طريقة للتشبه بالعرب وأن يثبتوا للناس أنهم عرباً وهي عقدة اجتماعية بلا شك لأن السودان وطن متعدد الأعراق والأجناس والقبائل واللغات واللهجات.
يسعون لتأسيس دولة عنصرية ولا يدرون أن نبي الرحمة قال بعثت لأتمم مكارم الأخلاق:
النّفْسُ بالأخلاقِ تسمو دائماً
وبها يُسودُ النّاسُ في الأزمانِ.
فمشروعهم يحمل موته في طياته على الرغم من الدعم الذي وجده من بعض الدول والدائر التي وجدت ضالتها فيه من خلال تنفيذ أجندتها الخاصة وأن تترك لهؤلاء الأحلام والهوس بتأسيس مملكتهم في أرض النيلين وهو حلم يظل من رابع المستحيلات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى