الثورات
تزايدت خلال الإسبوعين الماضيات اعداد سكان شمال أمدرمان المغادرين لمنازلهم بسبب تكاثف القصف المدفعي والصاروخي من قوات الدعم السريع وإستهدافها للمناطق المأهولة بالسكان.
وتعد منطقة شمال أمدرمان وهي محلية كرري بكافة أحيائها المنطقة الوحيدة في أمدرمان ما تزال مأهولة بالسكان رغم مرور ستة أشهر من إندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث تخضع المنطقة بالكامل لسيطرة القوات المسلحة التي تقيم إرتكازات ضخمة في كافة أنحاء المحلية.
كما أن أحياء كرري استقبلت أعداد كبيرة من المواطنين من مناطق أمدرمان القديمة علاوة على سكان من بحري فضلوا النزوح نحو حارات الثورة بدلا من مغادرة الخرطوم بعد حساب تكاليف المعيشة العالية والإرتفاع الكبير في أسعار الإيجارات السكنية بالولايات الآمنة.
لكن خلال الإسبوعين الماضيات أصبح الوضع في حارات الثورات ينذر بالخطر عقب تكثيف قوات الدعم السريع عملياتها العسكرية تجاه المنطقة وقصفها بصورة مكثفة لمعظم الحارات بالمدفيعة الثقيلة والصواريخ الموجهة ما أدى إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين وإجبار بعضهم على مغادرة منازلهم خوفا من الاستهداف.
وفي 28 سبتمبر الماضي قتل تسع أشخاص على الأقل وإصيب آخرين إثر قصف مدفعي نفذته قوات الدعم السريع استهدف محطة نقل في منطقة “الجرافة”، كما أنه في 13 اكتوبر الجاري قتل 17 شخصاً بقصف استهدف عدد من الحارات فيما تعرض مستشفى النو المرفق الطبي الأوحد الذي يعمل في أمدرمان للاستهداف مرتين على الأقل خلال الشهر الجاري ما أودى بحياة ثلاثة من المرضى.
وتسعى قوات الدعم السريع إلى تضييق الخناق على قواعد الجيش الموجود بمحلية كرري باستهدافها من مواقع تمركزاتها في أحياء أمدرمان القديمة ومنطقة الخليلة شمال بحري، حيث يحتفظ الجيش بعدد من المعسكرات والقواعد العسكرية أبرزها منطقة وادي سيدنا العسكرية التي تنطلق منها معظم الطائرات الحربية لقصف تمركزات الدعم السريع في مدن الخرطوم الثلاث، علاوة على مقر الكلية الحربية والسجن الحربي والمطبعة العسكرية والفرقة التاسعة المحمولة جوا وجامعة كرري وغيرها.
وتعد الحارات 50،52، 29 بجانب الحارة الثامنة والعاشرة والعشرون من اكثر المناطق التي شهدت موجة نزوح عالية خلال الفترة الماضية بعض تعرضها لقصغ مدفعي عنيف.
ويقول الصحفي وأحد سكان الثورة مؤمن أبو العزائم لـ”سودان تربيون” إن الحياة في محلية كرري “الثورات” أصبحت على كف عفريت..فنحن نعيش على اعصابنا .. فرصاصة طائشة أو قصف عشوائي يمكنه تغيير حياة أسرة كاملة.
وأضاف أن أكثر مايجبر السكان على البقاء هو المفاضلة مابين مطرقة جحيم الحرب وسندان جحيم الاستغلال واسعار الايجارات بالولايات الأخرى.
ورأى بأن القصف العشوائي لقوات الدعم السريع المتمردة لمناطق سكنية مأهولة يعتبر جريمة ضد الانسانية وجريمة حرب تضاف الى جرائمهم الكثيرة.
وتابع “زاد القصف في الفترة الاخيرة ليصل الى المائة دانة يوميا في مناطق متفرقة من الثورة بالقرب من المنطقة العسكرية تحديدا الريف الشمالي الذي يضم أحياء الواحة، المنارة، ودالبخيت، الجرافة”.
وقال إن كل أحياء الثورات تحت نيران القصف ولكن أكثرها تضررا هي الحارات الاولى والثانية، موضحا أن استهداف الحارات يرجع لسببين الأول هو أن المنطقة بأكملها تحت سيطرة الجيش ويحاول الدعم استهداف الارتكازات التي يقيمها الجيش والثاني بحسب قراءات في تكتيك الدعم السريع فانهم يقصفون احياء مأهولة حتى يجبروا السكان على الخروج ويقومون بالاستيلاء على المنازل واستخدامها كثكنات والتوغل عبر تلك الخطة للضغط وحصار الجيش وهذا ما لم يستطيعوا فعله في الثورات – وفقا لتعبيره.
وقال أبو العزائم إن “القصف العشوائي لمليشيات الدعم السريع يأخذ منا جيران واقارب بصورة يومية ودمرت المنازل والمؤسسات الصحية والخدمية متمثلة في الكهرباء والمستشفيات ومحطات مياه آخرها مستشفى النو المرفق الطبي الأوحد الذي مازال في الخدمة”.
وأكد بأن معاناة المواطنين إزدادت مع فقدهم لذويهم وجيرانهم وحياتهم التي اصبحت معرضة للخطر فأصبح النزوح شر لابد منه، وكشف عن ازدياد أعداد النازحين شمالا بصورة واضحة في الاسبوعين الماضيين.
بينما تقول راوية عثمان التي نزحت مع أسرتها من الصالحة جنوب أمدرمان إلى الحارة 29 الثورة لـ”سودان تربيون” أنها إضطرت إلى مغادرة محلية كرري الإسبوع المنصرم الى ولاية نهر النيل بعد نحو ثلاث أشهرها ظلت متواجدة فيها بسبب تساقط القذائف بشكل عشوائي.
وأضافت “فقد زوجي ساقه بعد إصابته بدانة كما أن احد أطفالي اصيب بجروح خطيرة في الصدر والوجه .. كنا نفضل البقاء هنا في الخرطوم خوفا من تكلفة الإيجارات السكنية العالية في الولايات ولكن الاستهداف المتكرر خلال الفترة الماضية قادنا الى ان نغادر بعد أن تعذر علينا البقاء”.
بدوره إتهم مصطفى بابكر وهو عضو غرفة طوارئ محلية كرري قوات الدعم السريع بتعمد إستهداف المناطق المأهولة بالسكان عن طريق الأسلحة الثقيلة.
وقال لـ”سودان تربيون” هذه القوات تتعمد إطلاق الصواريخ في الأحياء ولذلك لاجبارهم على النزوح ما يسهل لها احتلال المنازل بعد نهبها وتحويلها لثكنات عسكرية تنطلق منها هجماتها تجاه المنطقة العسكرية في كرري، وكشف أن هناك موجة نزوح عالية من حارات الثورة إلى ولايات الشمالية ونهر النيل والجزيرة وولايات شرق السودان.
وأشار إلى أنهم احصوا في في فترة الأسبوعين الماضيات إصابة ما يزيد عن ال200 شخص بإصابات متفاوتة كما أن القتلى من المدنيين خلال هذه الفترة يبلغ نحو 49 قتيل على الأقل بينهم أطفال ونساء وكبار سن.